للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وائتفكوا (١) بهذه الضلالة، فإن الله حرم عليهم أكل الأموال إلا بحقها وإنما هم قوم بهت.

قال عبد الرزاق: أنبأنا معمر عن أبي إسحاق الهمداني، عن صعصعة بن يزيد، أن رجلا سأل ابن عباس، فقال: إنا نصيب في الغزو من أموال أهل الذمة الدجاجة والشاة، قال ابن عباس: فتقولون ماذا؟ قال: نقول ليس علينا بذلك بأس، قال هذا كما قال أهل الكتاب:

﴿لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ﴾، إنهم إذا أدوا الجزية لم تحل لكم أموالهم إلا بطيب أنفسهم (٢)، وكذا رواه الثوري عن أبي إسحاق بنحوه.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا أبو الربيع الزهراني، حدثنا يعقوب، حدثنا جعفر عن سعيد بن جبير، قال: لما قال أهل الكتاب: ﴿لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ﴾ قال نبي الله «كذب أعداء الله ما من شيء كان في الجاهلية إلا وهو تحت قدمي هاتين إلا الأمانة، فإنها مؤداة إلى البر والفاجر».

ثم قال تعالى: ﴿بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى﴾ أي لكن من أوفى بعهده واتقى منكم يا أهل الكتاب الذي عاهدكم الله عليه من الإيمان بمحمد إذا بعث كما أخذ العهد والميثاق على الأنبياء وأممهم بذلك، واتقى محارم الله، واتبع طاعته وشريعته التي بعث بها خاتم رسله وسيدهم ﴿فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾.

[[سورة آل عمران (٣): آية ٧٧]]

﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٧)

يقول تعالى: إن الذين يعتاضون عما عاهدوا الله عليه من اتباع محمد وذكر صفته للناس وبيان أمره، وعن أيمانهم الكاذبة الفاجرة الآثمة بالأثمان القليلة الزهيدة، وهي عروض هذه الحياة الدنيا الفانية الزائلة ﴿أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ﴾ أي لا نصيب لهم فيها ولا حظ لهم منها ﴿وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾ أي برحمة منه لهم، يعني لا يكلمهم الله كلام لطف بهم ولا ينظر إليهم بعين الرحمة ﴿وَلا يُزَكِّيهِمْ﴾ أي من الذنوب والأدناس، بل يأمر بهم إلى النار ﴿وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ﴾. وقد وردت أحاديث تتعلق بهذه الآية الكريمة، فلنذكر منها ما تيسر، الحديث الأول قال الإمام أحمد (٣): حدثنا عفان، حدثنا شعبة، قال علي بن مدرك:

أخبرني، قال سمعت أبا زرعة عن خرشة بن الحر، عن أبي ذر، قال قال رسول الله : «ثلاثة لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم» قلت:


(١) ائتفكوا: اضطربوا وانقلبت أحوالهم من الخير إلى الشر.
(٢) تفسير الطبري ٣/ ٣١٧.
(٣) مسند أحمد ٥/ ١٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>