للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الزخرف: ١٩] ولهذا قال تعالى: ﴿وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ﴾ أي ليس لهم علم صحيح يصدّق ما قالوه، بل هو كذب وزور وافتراء وكفر شنيع. ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً﴾ أي لا يجدي شيئا ولا يقوم أبدا مقام الحق، وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله قال: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث» (١).

وقوله تعالى: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلّى عَنْ ذِكْرِنا﴾ أي أعرض عن الذي أعرض عن الحق واهجره. وقوله: ﴿وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا﴾ أي وإنما أكثر همه ومبلغ علمه الدنيا، فذاك هو غاية ما لا خير فيه، ولهذا قال تعالى: ﴿ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ﴾ أي طلب الدنيا والسعي لها هو غاية ما وصلوا إليه. وقد روى الإمام أحمد (٢) عن أم المؤمنين عائشة قالت:

قال رسول الله : «الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا عقل له» وفي الدعاء المأثور «اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا» (٣) وقوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى﴾ أي هو الخالق لجميع المخلوقات والعالم بمصالح عباده، وهو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وذلك كله عن قدرته وعلمه وحكمته وهو العادل الذي لا يجور أبدا لا في شرعه ولا في قدره.

[[سورة النجم (٥٣): الآيات ٣١ إلى ٣٢]]

﴿وَلِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اِتَّقى (٣٢)

يخبر تعالى أنه مالك السموات والأرض، وأنه الغني عما سواه الحاكم في خلقه بالعدل وخلق الخلق بالحق ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾ أي يجازي كلا بعمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر، ثم فسر المحسنين بأنهم الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش، أي لا يتعاطون المحرمات والكبائر وإن وقع منهم بعض الصغائر فإنه يغفر لهم ويستر عليهم كما قال في الآية الأخرى ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً﴾ [النساء: ٣١] وقال هاهنا: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ﴾ وهذا استثناء منقطع، لأن اللمم من صغائر الذنوب ومحقرات الأعمال.


(١) أخرجه البخاري في الوصايا باب ٨، والنكاح باب ٤٥، والفرائض باب ٢، والأدب باب ٥٧، ومسلم في البر حديث ٢٨، والترمذي في البر باب ٥٦، ومالك في حسن الخلق حديث ١٥، وأحمد في المسند ٢/ ٢٤٥، ٢٨٧، ٣١٢، ٣٤٢، ٤٧٠، ٤٨٢، ٤٩١، ٤٩٢، ٥٠٤، ٥١٧، ٥٣٩.
(٢) المسند ٦/ ٧١.
(٣) أخرجه الترمذي في الدعوات باب ٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>