أحمد (١): حدثنا يزيد، حدثنا حميد عن أنس أن رسول الله ﷺ قال:«لا عليكم أن تعجبوا بأحد حتى تنظروا بم يختم له، فإن العامل يعمل زمانا من عمره أو برهة من دهره بعمل صالح لو مات عليه دخل الجنة ثم يتحول فيعمل عملا سيئا، وإن العبد ليعمل البرهة من دهره بعمل سيئ لو مات عليه دخل النار ثم يتحول فيعمل عملا صالحا، وإذا أراد الله بعبده خيرا استعمله قبل موته» قالوا: يا رسول الله وكيف يستعمله؟ قال:«يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه» تفرد به الإمام أحمد من هذا الوجه.
قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والضحاك وغير واحد: هم الثلاثة الذين خلفوا أي عن التوبة، وهم مرارة بن الربيع وكعب بن مالك وهلال بن أمية، قعدوا عن غزوة تبوك في جملة من قعد كسلا وميلا إلى الدعة والحفظ وطيب الثمار والظلال لا شكا ونفاقا، فكانت منهم طائفة ربطوا أنفسهم بالسواري كما فعل أبو لبابة وأصحابه، وطائفة لم يفعلوا ذلك وهم هؤلاء الثلاثة المذكورون، فنزلت توبة أولئك قبل هؤلاء وأرجي هؤلاء عن التوبة، حتى نزلت الآية الآتية وهي قوله ﴿لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ﴾ [التوبة: ١١٧] الآية، ﴿وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ﴾ [التوبة: ١١٨] الآية، كما سيأتي بيانه في حديث كعب بن مالك، وقوله ﴿إِمّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ﴾ أي هم تحت عفوالله إن شاء فعل بهم هذا وإن شاء فعل بهم ذاك، ولكن رحمته تغلب غضبه ﴿وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ أي عليم بمن يستحق العقوبة ممن يستحق العفو، حكيم في أفعاله وأقواله لا إله إلا هو ولا رب سواه.
سبب نزول هذه الآيات الكريمات، أنه كان بالمدينة قبل مقدم رسول الله ﷺ إليها رجل من الخزرج يقال له أبو عامر الراهب، وكان قد تنصر في الجاهلية وقرأ علم أهل الكتاب، وكان فيه عبادة في الجاهلية وله شرف في الخزرج كبير، فلما قدم رسول الله ﷺ مهاجرا إلى المدينة واجتمع المسلمون عليه وصارت للإسلام كلمة عالية وأظهرهم الله يوم بدر، شرق اللعين أبو عامر بريقه وبارز بالعداوة وظاهر بها، وخرج فارا إلى كفار مكة من مشركي قريش، يمالئهم