للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا قال: ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ أي دلالة وحجة على أنه لا إله إلا الله، كما قال تعالى: ﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ﴾ [النمل: ٦٠]، ثم قال تعالى:

[[سورة النحل (١٦): الآيات ١٢ إلى ١٣]]

﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٢) وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٣)

ينبه تعالى عباده على آياته العظام ومننه الجسام في تسخيره الليل والنهار يتعاقبان، والشمس والقمر يدوران، والنجوم الثوابت والسيارات في أرجاء السموات نورا وضياء ليهتدى بها في الظلمات، وكل منها يسير في فلكه الذي جعله الله تعالى فيه، يسير بحركة مقدرة لا يزيد عليها ولا ينقص عنها، والجميع تحت قهره وسلطانه وتسخيره وتقديره وتسهيله، كقوله: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ﴾ [الأعراف: ٥٤] ولهذا قال: ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ أي لدلالات على قدرته تعالى الباهرة وسلطانه العظيم لقوم يعقلون عن الله ويفهمون حججه.

وقوله: ﴿وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ﴾ لما نبه تعالى على معالم السموات نبه على ما خلق في الأرض من الأمور العجيبة، والأشياء المختلفة من الحيوانات والمعادن، والنباتات والجمادات على اختلاف ألوانها وأشكالها، وما فيها من المنافع والخواص ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ أي آلاء الله ونعمه فيشكرونها.

[[سورة النحل (١٦): الآيات ١٤ إلى ١٨]]

﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٤) وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥) وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (١٦) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٧) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨)

يخبر تعالى عن تسخيره البحر المتلاطم الأمواج، ويمتن على عباده بتذليله لهم وتيسيرهم للركوب فيه، وجعله السمك والحيتان فيه، وإحلاله لعباده لحمها حيها وميتها في الحل والإحرام، وما يخلقه فيه من اللئالئ والجواهر النفيسة، وتسهيله للعباد استخراجهم من قراره حلية يلبسونها، وتسخيره البحر لحمل السفن التي تمخره أي تشقه، وقيل تمخر الرياح، وكلاهما صحيح، وقيل تمخره بجؤجئها وهو صدرها المسنم-الذي أرشد العباد إلى صنعتها وهداهم إلى ذلك إرثا عن أبيهم نوح ، فإنه أول من ركب السفن، وله كان تعليم

<<  <  ج: ص:  >  >>