قال ابن جرير (١): يقول تعالى مخبرا عن إبراهيم خليله أنه قال: ﴿رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ﴾ أي أنت تعلم قصدي في دعائي، وما أردت بدعائي لأهل هذا البلد، وإنما هو القصد إلى رضاك والإخلاص لك، فإنك تعلم الأشياء كلها ظاهرها وباطنها، لا يخفى عليك منها شيء في الأرض ولا في السماء، ثم حمد ربه ﷿ على ما رزقه من الولد بعد الكبر، فقال: ﴿الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ﴾ أي إنه يستجيب لمن دعاه، وقد استجاب لي فيما سألته من الولد.
ثم قال: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ﴾ أي محافظا عليها مقيما لحدودها ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾ أي واجعلهم كذلك مقيمين لها ﴿رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ﴾ أي فيما سألتك فيه كله ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ﴾ وقرأ بعضهم: ولوالدي بالإفراد وكان هذا قبل أن يتبرأ من أبيه لما تبين له عداوته لله ﷿ ﴿وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ أي كلهم ﴿يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ﴾ أي يوم تحاسب عبادك فتجازيهم بأعمالهم إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
يقول تعالى: ولا تحسبن الله يا محمد غافلا عما يعمل الظالمون، أي لا تحسبنه إذا أنظرهم وأجلهم أنه غافل عنهم مهمل لهم لا يعاقبهم على صنعهم، بل هو يحصي ذلك ويعده عليهم عدا ﴿إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ﴾ أي من شدة الأهوال يوم القيامة، ثم ذكر تعالى كيفية قيامهم من قبورهم وعجلتهم إلى قيام المحشر، فقال: ﴿مُهْطِعِينَ﴾ أي مسرعين، كما قال تعالى: ﴿مُهْطِعِينَ إِلَى الدّاعِ﴾ [القمر: ٨] الآية، وقال تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ﴾ -إلى قوله- ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾ [طه: ١٠٨ - ١١١]، وقال تعالى:
﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً﴾ [المعارج: ٤٣] الآية. وقوله ﴿مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ﴾ قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: رافعي رؤوسهم.
﴿لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ﴾ أي أبصارهم ظاهرة شاخصة مديمون النظر، لا يطرفون لحظة لكثرة ما هم فيه من الهول والفكرة والمخافة لما يحل بهم، عياذا بالله العظيم من ذلك، ولهذا قال: ﴿وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ﴾ أي وقلوبهم خاوية خالية ليس فيها شيء لكثرة الوجل والخوف، ولهذا قال قتادة وجماعة: إن أمكنة أفئدتهم خالية لأن القلوب لدى الحناجر قد خرجت من أماكنها