للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ قَالَ: سَرِيَّةٌ، أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ قَالَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ قَالَ «فَتْحُ مَكَّةَ» ، وَهَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ فِي رِوَايَةٍ، وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ قَالَ: عَذَابٌ مِنَ السَّمَاءِ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ يَعْنِي نُزُولَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ وَقِتَالَهُ إِيَّاهُمْ «١» ، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ فِي رواية عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قارِعَةٌ أَيْ نَكْبَةٌ.

وَكُلُّهُمْ قَالَ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ يَعْنِي فَتْحَ مَكَّةَ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقَوْلُهُ:

إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعادَ أَيْ لَا يَنْقُضُ وَعْدَهُ لِرُسُلِهِ بِالنُّصْرَةِ لَهُمْ وَلِأَتْبَاعِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ [إِبْرَاهِيمَ: ٤٧] .

[[سورة الرعد (١٣) : آية ٣٢]]

وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (٣٢)

يَقُولُ تعالى مسليا لرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَكْذِيبِ مَنْ كَذَّبَهُ مَنْ قَوْمِهُ: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ أَيْ فَلَكَ فِيهِمْ أُسْوَةٌ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا أَيْ أَنْظَرْتُهُمْ وَأَجَّلْتُهُمْ، ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً، فَكَيْفَ بَلَغَكَ مَا صنعت بهم وعاقبتهم وأمليت لهم، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ [الْحَجِّ: ٤٨] وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ» ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ «٢» [هود: ١٠٢] .

[[سورة الرعد (١٣) : آية ٣٣]]

أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٣)

يَقُولُ تَعَالَى: أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ أَيْ حَفِيظٌ عَلِيمٌ رَقِيبٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ يَعْلَمُ مَا يَعْمَلُ الْعَامِلُونَ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ [يُونُسَ: ٦١] ، وَقَالَ تَعَالَى: وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها [الْأَنْعَامِ: ٥٩] ، وَقَالَ: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ [هُودٍ: ٦] ، وَقَالَ: سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ [الرَّعْدِ: ١٠] ، وَقَالَ: يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى [طَهَ: ٧] ، وَقَالَ: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [الحديد: ٤] أفمن هو كذلك كَالْأَصْنَامِ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا، لَا تَسْمَعُ وَلَا تُبْصِرُ، ولا تعقل،


(١) انظر تفسير الطبري ٧/ ٣٩٠.
(٢) أخرجه البخاري في تفسير سورة ١١، باب ٥، ومسلم في البر حديث ٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>