للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ﴾ أي بنافعي بإنقاذي مما أنا فيه من العذاب والنكال ﴿إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ﴾ قال قتادة: أي بسبب ما أشركتمون من قبل، وقال ابن جرير (١): يقول:

إني جحدت أن أكون شريكا لله ﷿، وهذا الذي قاله هو الراجح، كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ وَإِذا حُشِرَ النّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ﴾ [الأحقاف: ٥ - ٦]، قال: ﴿كَلاّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا﴾ [مريم: ٨٢].

وقوله: ﴿إِنَّ الظّالِمِينَ﴾ أي في إعراضهم عن الحق واتباعهم الباطل، لهم عذاب أليم، والظاهر من سياق الآية أن هذه الخطبة تكون من إبليس بعد دخلوهم النار كما قدمنا، ولكن قد ورد في حديث رواه ابن أبي حاتم، وهذا لفظه، وابن جرير (٢) من رواية عبد الرحمن بن زياد:

حدثني دخين الحجري عن عقبة بن عامر عن رسول الله أنه قال: «إذا جمع الله الأولين والآخرين فقضى بينهم ففرغ من القضاء، قال المؤمنون: قد قضى بيننا ربنا، فمن يشفع لنا؟ فيقولون، انطلقوا بنا إلى آدم، وذكر نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى فيقول عيسى: أدلكم على النبي الأمي، فيأتوني، فيأذن الله لي أن أقوم إليه فيثور من مجلسي من أطيب ريح شمها أحد قط، حتى آتي ربي فيشفعني ويجعل لي نورا من شعر رأسي إلى ظفر قدمي، ثم يقول الكافرون: هذا قد وجد المؤمنون من يشفع لهم، فمن يشفع لنا؟ ما هو إلا إبليس هو الذي أضلنا، فيأتون إبليس فيقولون: قد وجد المؤمنون من يشفع لهم، فقم أنت فاشفع لنا، فإنك أنت أضللتنا فيقوم فيثور من مجلسه من أنتن ريح شمها أحد قط، ثم يعظم نحيبهم ﴿وَقالَ الشَّيْطانُ لَمّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ﴾.

وهذا سياق ابن أبي حاتم، ورواه المبارك عن رشدين بن سعد عن عبد الرحمن بن زياد بن نعيم، عن دخين عن عقبة به مرفوعا.

وقال محمد بن كعب القرظي : لما قال أهل النار ﴿سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ﴾ قال لهم إبليس ﴿إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ﴾ الآية، فلما سمعوا مقالته، مقتوا أنفسهم فنودوا ﴿لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ﴾ [الزمر: ٧٣] وقال عامر الشعبي: يقوم خطيبان يوم القيامة على رؤوس الناس، يقول الله تعالى لعيسى ابن مريم: ﴿أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ﴾ إلى قوله ﴿قالَ اللهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ صِدْقُهُمْ﴾ قال: ويقوم إبليس لعنه الله فيقول ﴿وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ﴾


(١) تفسير الطبري ٧/ ٤٣٤.
(٢) تفسير الطبري ٧/ ٤٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>