للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا تَمْلِكُ نَفْعًا لِأَنْفُسِهَا وَلَا لِعَابِدِيهَا، وَلَا كَشْفَ ضُرٍّ عَنْهَا وَلَا عَنْ عَابِدِيهَا؟

وَحَذَفَ هَذَا الْجَوَابَ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ أَيْ عَبَدُوهَا مَعَهُ مِنْ أَصْنَامٍ وَأَنْدَادٍ وَأَوْثَانٍ قُلْ سَمُّوهُمْ أَيْ أَعْلِمُونَا بِهِمْ، وَاكْشِفُوا عَنْهُمْ حَتَّى يُعْرَفُوا، فَإِنَّهُمْ لَا حَقِيقَةَ لَهُمْ، وَلِهَذَا قَالَ: أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَيْ لَا وُجُودَ لَهُ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ وُجُودٌ فِي الْأَرْضِ لَعَلِمَهَا، لِأَنَّهُ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ قَالَ مُجَاهِدٌ: بِظَنٍّ مِنَ الْقَوْلِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ: بِبَاطِلٍ مِنَ الْقَوْلِ، أَيْ إِنَّمَا عَبَدْتُمْ هَذِهِ الْأَصْنَامَ بِظَنٍّ مِنْكُمْ أَنَّهَا تَنْفَعُ وَتَضُرُّ وَسَمَّيْتُمُوهَا آلِهَةً إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى ... بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ [النجم: ٢٣] قَالَ مُجَاهِدٌ: قَوْلُهُمْ أَيْ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الضَّلَالِ وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النهار كقوله تعالى: وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ [فصلت:

٢٥] الآية، وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ مَنْ قَرَأَهَا بِفَتْحِ الصَّادِ معناه أنه لما زين لهم ما هم فِيهِ، وَأَنَّهُ حَقٌّ دَعَوْا إِلَيْهِ، وَصَدُّوا النَّاسَ عن اتباع طريق الرسل، ومن قرأها بالضم أَيْ بِمَا زُيِّنَ لَهُمْ مِنْ صِحَّةِ مَا هُمْ عَلَيْهِ، صُدُّوا بِهِ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَلِهَذَا قَالَ: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ كَمَا قَالَ وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً [الْمَائِدَةِ: ٤١] وَقَالَ إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ [النحل: ٣٧] .

[سورة الرعد (١٣) : الآيات ٣٤ الى ٣٥]

لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ (٣٤) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ (٣٥)

ذَكَرَ تَعَالَى عِقَابَ الْكُفَّارِ وَثَوَابَ الْأَبْرَارِ، فَقَالَ بَعْدَ إِخْبَارِهِ عَنْ حَالِ الْمُشْرِكِينَ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا

أَيْ بِأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ قَتْلًا وَأَسْرًا، وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ

أي المدخر مَعَ هَذَا الْخِزْيِ فِي الدُّنْيَا أَشَقُ

أَيْ مِنْ هَذَا بِكَثِيرٍ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُتَلَاعِنِينَ: «إِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ» «١» وَهُوَ كَمَا قَالَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا لَهُ انْقِضَاءٌ، وَذَاكَ دَائِمٌ أَبَدًا فِي نَارٍ هِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى هَذِهِ سَبْعُونَ ضِعْفًا، وَوِثَاقٌ لَا يُتَصَوَّرُ كَثَافَتُهُ وَشِدَّتُهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ [الفجر: ٢٥- ٢٦] .

وقال تعالى: وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً [الفرقان: ١١-]


(١) أخرجه مسلم في اللعان حديث ٤، وأبو داود في الطلاق باب ٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>