قال مقاتل بن حيان: هذه الآية في نفقة التطوع. وقال السدي: نسختها الزكاة، وفيه نظر، ومعنى الآية: يسألونك كيف ينفقون؟ قاله ابن عباس ومجاهد فبين لهم تعالى ذلك، فقال ﴿قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ أي اصرفوها في هذه الوجوه. كما جاء الحديث «أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك» وتلا ميمون بن مهران هذه الآية، ثم قال: هذه مواضع النفقة ما ذكر فيها طبلا ولا مزمارا ولا تصاوير الخشب ولا كسوة الحيطان. ثم قال تعالى: ﴿وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ أي مهما صدر منكم من فعل معروف، فإن الله يعلمه وسيجزيكم على ذلك أوفر الجزاء، فإنه لا يظلم أحدا مثقال ذرة.
هذا إيجاب من الله تعالى للجهاد على المسلمين أن يكفوا شر الأعداء عن حوزة الإسلام، وقال الزهري: الجهاد واجب على كل أحد غزا أو قعد، فالقاعد عليه إذا استعين أن يعين، وإذا استغيث أن يغيث، وإذا استنفر ان ينفر، وإن لم يحتج إليه قعد.
(قلت) ولهذا ثبت في الصحيح «من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو، مات ميتة جاهلية» وقال ﵇ يوم الفتح: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا».
وقوله ﴿وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ﴾ أي شديد عليكم ومشقة وهو كذلك، فإنه إما أن يقتل أو يجرح مع مشقة السفر ومجالدة الأعداء. ثم قال تعالى: ﴿وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ أي لأن القتال يعقبه النصر والظفر على الأعداء والاستيلاء على بلادهم وأموالهم وذراريهم وأولادهم.
﴿وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ﴾ وهذا عام في الأمور كلها قد يحب المرء شيئا وليس له فيه خيرة ولا مصلحة، ومن ذلك القعود عن القتال قد يعقبه استيلاء العدو على البلاد والحكم. ثم قال تعالى: ﴿وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ أي هو أعلم بعواقب الأمور منكم، وأخبر بما فيه صلاحكم في دنياكم وأخراكم، فاستجيبوا له وانقادوا لأمره، لعلكم ترشدون.