للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[هود: ١١٨ - ١١٩] الآية، فنفذ قدره، ومضت حكمته، وقامت حجته البالغة على خلقه بإرسال الرسل إليهم، وإنزال الكتب عليهم.

ثم قال تعالى: ﴿وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلاّ كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ﴾ أي كلما جاءهم كتاب من السماء أعرض عنه أكثر الناس، كما قال تعالى: ﴿وَما أَكْثَرُ النّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [يوسف: ١٠٣] وقال تعالى: ﴿يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ﴾ [يس: ٣٠] وقال تعالى: ﴿ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ﴾ [المؤمنون: ٤٤] الآية، ولهذا قال تعالى هاهنا: ﴿فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ﴾ أي فقد كذبوا بما جاءهم من الحق، فسيعلمون نبأ هذا التكذيب بعد حين ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ ثم نبه تعالى على عظمة سلطانه وجلالة قدره وشأنه، الذين اجترءوا على مخالفة رسوله وتكذيب كتابه، وهو القاهر العظيم القادر الذي خلق الأرض وأنبت فيها من كل زوج كريم من زروع وثمار وحيوان.

قال سفيان الثوري عن رجل عن الشعبي: الناس من نبات الأرض فمن دخل الجنة فهو كريم، ومن دخل النار فهو لئيم ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً﴾ أي دلالة على قدرة الخالق للأشياء الذي بسط الأرض ورفع بناء السماء، ومع هذا ما آمن أكثر الناس بل كذبوا به وبرسله وكتبه، وخالفوا أمره، وارتكبوا نهيه. وقوله ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ أي الذي عز كل شيء وقهره وغلبه ﴿الرَّحِيمُ﴾ أي بخلقه فلا يعجل على من عصاه بل يؤجله وينظره، ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر. قال أبو العالية وقتادة والربيع بن أنس وابن إسحاق: العزيز في نقمته وانتصاره ممن خالف أمره وعبد غيره. وقال سعيد بن جبير: الرحيم بمن تاب إليه وأناب.

[[سورة الشعراء (٢٦): الآيات ١٠ إلى ٢٢]]

﴿وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ اِئْتِ الْقَوْمَ الظّالِمِينَ (١٠) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (١١) قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (١٢) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ (١٣) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (١٤) قالَ كَلاّ فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (١٥) فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ (١٧) قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (١٩) قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضّالِّينَ (٢٠) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢١) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ (٢٢)

يخبر تعالى عما أمر به عبده ورسوله وكليمه موسى بن عمران حين ناداه من جانب الطور الأيمن، وكلمه وناجاه، وأرسله واصطفاه، وأمره بالذهاب إلى فرعون وملئه، ولهذا قال تعالى: ﴿أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظّالِمِينَ قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ﴾ هذه أعذار سأل من الله إزاحتها عنه، كما قال في سورة طه ﴿قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي

<<  <  ج: ص:  >  >>