للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقُولُ: عَلَيْكِ مِنَ الدُّعَاءِ مِثْلَ الَّذِي دَعَيْتِهِ لِي، وَهَذَا ظَاهِرٌ. ثُمَّ اسْتُعْمِلَتِ الصَّلَاةُ فِي الشَّرْعِ فِي ذَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْأَفْعَالِ الْمَخْصُوصَةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَخْصُوصَةِ بِشُرُوطِهَا الْمَعْرُوفَةِ وَصِفَاتِهَا وَأَنْوَاعِهَا المشهورة. قال ابْنُ جَرِيرٍ: وَأَرَى أَنَّ الصَّلَاةَ [الْمَفْرُوضَةَ] «١» سُمِّيَتْ صَلَاةً لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَتَعَرَّضُ لِاسْتِنْجَاحِ طَلِبَتِهِ مِنْ ثواب الله بعلمه مع ما يسأل ربه من حاجاته [تعرّض الداعي بدعائه ربّه استنجاح حاجاته وسؤله] «٢» وَقِيلَ: هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الصَّلَوَيْنِ إِذَا تَحَرَّكَا في الصلاة عند الركوع والسجود، وهما عرقان يمتدان من الظهر حتى يكتنفان عجب الذنب ومنه سمي المصلي وهو التالي لِلسَّابِقِ فِي حَلْبَةِ الْخَيْلِ، وَفِيهِ نَظَرٌ. وَقِيلَ هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الصَّلَى وَهُوَ الْمُلَازَمَةُ لِلشَّيْءِ من قوله تعالى: لا يَصْلاها أي لا يَلْزَمُهَا وَيَدُومُ فِيهَا إِلَّا الْأَشْقَى [اللَّيْلِ: ١٥] وَقِيلَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ تَصْلِيَةِ الْخَشَبَةِ فِي النَّارِ لِتُقَوَّمَ كَمَا أَنَّ الْمُصَلِّيَ يُقَوِّمُ عِوَجَهُ بِالصَّلَاةِ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [الْعَنْكَبُوتِ: ٤٥] وَاشْتِقَاقُهَا مِنَ الدُّعَاءِ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا الزَّكَاةُ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا في موضعه إن شاء الله تعالى.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٤]]

وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤)

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ أَيْ يُصَدِّقُونَ بِمَا جِئْتَ بِهِ مِنَ اللَّهِ وَمَا جَاءَ بِهِ مَنْ قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمْ وَلَا يَجْحَدُونَ مَا جَاءُوهُمْ بِهِ مِنْ رَبِّهِمْ، وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ: أَيْ بِالْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالْحِسَابِ وَالْمِيزَانِ وَإِنَّمَا سُمِّيَتِ الْآخِرَةُ لِأَنَّهَا بَعْدَ الدنيا. وقد اختلفت المفسرون في الموصوفين هنا، هَلْ هُمُ الْمَوْصُوفُونَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وَمَنْ هُمْ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ حَكَاهَا ابْنُ جرير «٣» ، أحدها: أَنَّ الْمَوْصُوفِينَ أَوَّلًا هُمُ الْمَوْصُوفُونَ ثَانِيًا وَهُمْ كُلُّ مُؤْمِنٍ، مُؤْمِنُو الْعَرَبِ وَمُؤْمِنُو أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرُهُمْ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَقَتَادَةُ. وَالثَّانِي: هُمَا وَاحِدٌ وَهُمْ مُؤْمِنُو أَهْلِ الْكِتَابِ وَعَلَى هَذَيْنِ تَكُونُ الْوَاوُ عَاطِفَةُ عَلَى صِفَاتٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى. الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى. وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى. فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى [الأعلى: ١- ٥] وكما قال الشاعر: [المتقارب]

إِلَى الْمَلِكِ الْقَرْمِ وَابْنِ الْهُمَامِ ... وَلَيْثِ الْكَتِيبَةِ فِي الْمُزْدَحَمْ «٤»

فَعَطَفَ الصِّفَاتِ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَالْمَوْصُوفُ وَاحِدٌ وَالثَّالِثُ أَنَّ الْمَوْصُوفِينَ أَوَّلًا مُؤْمِنُو الْعَرَبِ وَالْمَوْصُوفُونَ ثَانِيًا بِقَوْلِهِ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ


(١) الزيادة من الطبري ١/ ١٣٧.
(٢) الزيادة من الطبري ١/ ١٣٧.
(٣) تفسير الطبري ١/ ١٣٩.
(٤) البيت بلا نسبة في الإنصاف ٢/ ٤٦٩ وخزانة الأدب ١/ ٤٥١، وشرح قطر الندى ص ٢٩٥. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>