للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما حضره الموت قال لابن أخيه جنادة بن أبي أمية: ألا أنبئك بماذا عليك وماذا لك؟ قال:

بلى. قال: فإن عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك، وعليك أن تقيم لسانك بالعدل، وأن لا تنازع الأمر أهله إلا أن يأمروك بمعصية الله بواحا، فما أمرت به من شيء يخالف كتاب الله، فاتبع كتاب الله.

وقال قتادة: ذكر لنا أن أبا الدرداء قال: لا إسلام إلا بطاعة الله، ولا خير إلا في جماعة، والنصيحة لله ولرسوله وللخليفة وللمؤمنين عامة، قال: وقد ذكر لنا أن عمر بن الخطاب كان يقول: عروة الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والطاعة لمن ولاه الله أمر المسلمين، رواه ابن أبي حاتم، والأحاديث والآثار في وجوب الطاعة لكتاب الله وسنة رسوله وللخلفاء الراشدين والأئمة إذا أمروا بطاعة الله كثير جدا أكثر من أن تحصر في هذا المكان.

وقوله ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ﴾ أي فيما أمراه به، وترك ما نهياه عنه، ويخش الله فيما مضى من ذنوبه ويتقه فيما يستقبل. وقوله ﴿فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ﴾ يعني الذين فازوا بكل خير وأمنوا من كل شر في الدنيا والآخرة.

[[سورة النور (٢٤): الآيات ٥٣ إلى ٥٤]]

﴿وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (٥٣) قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٥٤)

يقول تعالى مخبرا عن أهل النفاق الذين كانوا يحلفون للرسول : لئن أمرتهم بالخروج في الغزو ليخرجن، قال الله تعالى: ﴿قُلْ لا تُقْسِمُوا﴾ أي لا تحلفوا. وقوله ﴿طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ﴾ قيل معناه طاعتكم طاعة معروفة، أي قد علم طاعتكم إنما هي قول لا فعل معه، وكلما حلفتم كذبتم، كما قال تعالى: ﴿يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ﴾ [التوبة: ٩٦] الآية. وقال تعالى:

﴿اِتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً﴾ [المنافقون: ٢] الآية، فهم من سجيتهم الكذب حتى فيما يختارونه، كما قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ﴾ [الحشر: ١١ - ١٢].

وقيل المعنى في قوله ﴿طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ﴾ أي ليكن أمركم طاعة معروفة، أي بالمعروف من غير حلف ولا أقسام، كما يطيع الله ورسوله المؤمنون بغير حلف، فكونوا أنتم مثلهم ﴿إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ﴾ أي هو خبير بكم وبمن يطيع ممن يعصي، فالحلف وإظهار الطاعة والباطن بخلافه وإن راج على المخلوق، فالخالق تعالى يعلم السر وأخفى، لا يروج عليه شيء من

<<  <  ج: ص:  >  >>