للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَتَشْتُمُهُ وَلَسْتَ لَهُ بِكُفءٍ؟ ... فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاءُ

لِسَانِي صَارِمٌ لَا عَيْبَ فِيهِ ... وَبَحْرِي لَا تُكَدِّرُهُ الدِّلاءُ

فَقِيلَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَلَيْسَ هَذَا لَغْوًا؟ قَالَتْ: لَا إِنَّمَا اللَّغْوُ مَا قِيلَ عِنْدَ النِّسَاءِ، قِيلَ:

أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ قَالَتْ: أَلَيْسَ قَدْ أَصَابَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ؟

أَلَيْسَ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ، وَكُنِّعَ بِالسَّيْفِ؟ تَعْنِي الضَّرْبَةَ الَّتِي ضَرَبَهُ إِيَّاهَا صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ حِينَ بَلَغَهُ عَنْهُ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ فِي ذَلِكَ، فعلاه بالسيف وكاد أن يقتله.

[سورة النور (٢٤) : الآيات ١٢ الى ١٣]

لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ (١٢) لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٣)

هَذَا تَأْدِيبٌ من الله تعالى للمؤمنين في قصة عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حِينَ أَفَاضَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ الْكَلَامِ السَّيِّئِ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ شأن الإفك فقال تعالى: لَوْلا يعني هلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ أي ذلك الكلام الذي رميت به أم المؤمنين رضي الله عنها ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً أَيْ قَاسُوا ذَلِكَ الْكَلَامَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَإِنْ كَانَ لَا يَلِيقُ بِهِمْ فَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ أَوْلَى بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُ بطريق الأولى والأخرى.

وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي أَيُّوبَ خَالِدِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَامْرَأَتِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بَعْضِ رِجَالِ بَنِي النَّجَّارِ: أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ خَالِدَ بْنَ زيد الأنصاري قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ أَيُّوبَ: يَا أَبَا أَيُّوبَ أَمَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِي عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ وَذَلِكَ الْكَذِبُ، أَكُنْتِ فَاعِلَةً ذَلِكَ يَا أُمَّ أَيُّوبَ؟ قَالَتْ: لَا وَاللَّهِ مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَهُ، قَالَ: فَعَائِشَةُ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْكِ، قَالَ: فَلَمَّا نَزَلَ القرآن ذكر عَزَّ وَجَلَّ مَنْ قَالَ فِي الْفَاحِشَةِ مَا قال من أهل الإفك إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ [النُّورِ: ١١] وَذَلِكَ حَسَّانُ وَأَصْحَابُهُ الذين قالوا ما قالوا، ثم قال تعالى: لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ الْآيَةَ، أَيْ كَمَا قَالَ أَبُو أَيُّوبَ وَصَاحِبَتُهُ «١» .

وَقَالَ مُحَمَّدُ بن عمر الواقدي: حدثني ابن أبي حبيب عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى أَبِي أَيُّوبَ أَنَّ أُمَّ أَيُّوبَ قَالَتْ لِأَبِي أَيُّوبَ: أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِي عَائِشَةَ؟ قَالَ: بَلَى وَذَلِكَ الْكَذِبُ أَفَكُنْتِ يَا أُمَّ أَيُّوبَ فَاعِلَةً ذَلِكَ؟ قَالَتْ: لَا وَاللَّهِ. قَالَ: فَعَائِشَةُ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْكِ، فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ وَذَكَرَ أَهْلَ الْإِفْكِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ يَعْنِي أَبَا أَيُّوبَ حِينَ قَالَ لِأُمِّ أَيُّوبَ مَا قَالَ، وَيُقَالُ إِنَّمَا قَالَهَا أُبَيُّ بْنُ كعب.


(١) انظر تفسير الطبري ٩/ ٢٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>