للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قتادة في قوله تعالى: ﴿أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً﴾ والله لو أن هذا القرآن رفع حين ردته أوائل هذه الأمة لهلكوا، ولكن الله تعالى عاد بعائدته ورحمته فكرره عليهم ودعاهم إليه عشرين سنة أو ما شاء الله من ذلك، وقول قتادة لطيف المعنى جدا، وحاصله أنه يقول في معناه إنه تعالى من لطفه ورحمته بخلقه لا يترك دعاءهم إلى الخير وإلى الذكر الحكيم وهو القرآن، وإن كانوا مسرفين معرضين عنه بل أمر به ليهتدي به من قدر هدايته، وتقوم الحجة على من كتب شقاوته.

ثم قال جل وعلا مسليا لنبيه في تكذيب من كذبه من قومه وآمرا له بالصبر عليهم:

﴿وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ﴾ أي في شيع الأولين ﴿وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلاّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ﴾ أي يكذبونه ويسخرون به. وقوله : ﴿فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً﴾ أي فأهلكنا المكذبين بالرسل، وقد كانوا أشد بطشا من هؤلاء المكذبين لك يا محمد، كقوله ﷿: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً﴾ [غافر: ٨٢] والآيات في ذلك كثيرة جدا. وقوله : ﴿وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ﴾ قال مجاهد: سنتهم. وقال قتادة: عقوبتهم. وقال غيرهما: عبرتهم، أي جعلناهم عبرة لمن بعدهم من المكذبين أن يصيبهم ما أصابهم، كقوله تعالى في آخر هذه السورة: ﴿فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ﴾ [الزخرف: ٥٦] وكقوله جلت عظمته: ﴿سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ﴾ [غافر: ٨٥] وقال ﷿: ﴿وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً﴾ [الأحزاب: ٥٦].

[[سورة الزخرف (٤٣): الآيات ٩ إلى ١٤]]

﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١١) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ (١٢) لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اِسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣) وَإِنّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (١٤)

يقول تعالى: ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين بالله، العابدين معه غيره ﴿مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾ أي ليعترفن بأن الخالق لذلك هو الله وحده لا شريك له، وهم مع هذا يعبدون معه غيره من الأصنام والأنداد، ثم قال تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً﴾ أي فراشا قرارا ثابتة تسيرون عليها وتقومون وتنامون وتنصرفون، مع أنها مخلوقة على تيار الماء، لكنه أرساها بالجبال لئلا تميد هكذا ولا هكذا ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً﴾ أي طرقا بين الجبال والأودية ﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ أي في سيركم من بلد إلى بلد، وقطر إلى قطر، وإقليم إلى إقليم ﴿وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ﴾ أي بحسب الكفاية لزروعكم وثماركم وشربكم لأنفسكم ولأنعامكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>