النار، والله يقول ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها﴾ الآية، فانتهرني أصحابه، وكان أحلمهم، فقال: دعوا الرجل إنما ذلك للكفار، فقرأ ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ﴾ حتى بلغ ﴿وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ﴾ أما تقرأ القرآن؟ قلت: بلى قد جمعته، قال، أليس الله يقول ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً﴾ [الإسراء: ٧٩] فهو ذلك المقام، فإن الله تعالى يحتبس أقواما بخطاياهم في النار ما شاء، لا يكلمهم فإذا أراد أن يخرجهم أخرجهم، قال: فلم أعد بعد ذلك إلى أن أكذب به.
ثم قال ابن مردويه: حدثنا دعلج بن أحمد، حدثنا عمرو بن حفص السدوسي، حدثنا عاصم بن عليّ، أخبرنا العباس بن الفضل، حدثنا سعيد بن المهلب، حدثني طلق بن حبيب قال: كنت من أشد الناس تكذيبا بالشفاعة حتى لقيت جابر بن عبد الله، فقرأت عليه كل آية أقدر عليها، يذكر الله فيها خلود أهل النار، فقال: يا طلق، أتراك أقرأ لكتاب الله وأعلم بسنة رسول الله مني؟ إن الذين قرأت هم أهلها هم المشركون، ولكن هؤلاء قوم أصابوا ذنوبا فعذبوا، ثم أخرجوا منها، ثم أهوى بيديه إلى أذنيه فقال: صمّتا إن لم أكن سمعت رسول الله ﷺ يقول «يخرجون من النار بعد ما دخلوا» ونحن نقرأ كما قرأت.
يقول تعالى حاكما وآمرا بقطع يد السارق والسارقة، وروى الثوري عن جابر بن يزيد الجعفي، عن عامر بن شراحيل الشعبي أن ابن مسعود كان يقرؤها «والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما» وهذه قراءة شاذة، وإن كان الحكم عند جميع العلماء موافقا لها لا بها، بل هو مستفاد من دليل آخر، وقد كان القطع معمولا به في الجاهلية، فقرر في الإسلام، وزيدت شروط أخر كما سنذكره إن شاء الله تعالى، كما كانت القسامة والدية والقراض وغير ذلك من الأشياء التي ورد الشرع بتقريرها على ما كانت عليه وزيادات هي من تمام المصالح ويقال: إن أول من قطع الأيدي في الجاهلية قريش، قطعوا رجلا يقال له: دويك مولى لبني مليح بن عمرو من خزاعة، كان قد سرق كنز الكعبة، ويقال: سرقه قوم فوضعوه عنده، وقد ذهب بعض الفقهاء من أهل الظاهر إلى أنه متى سرق السارق شيئا قطعت يده به، سواء كان قليلا أو كثيرا لعموم هذه الآية ﴿وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما﴾ فلم يعتبروا نصابا ولا حرزا، بل أخذوا بمجرد السرقة.