للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «١» : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ قَالَا: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ» وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ سِوَى أَبِي دَاوُدَ مِنْ طُرُقٍ عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ:

قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ مُجَاهِدٌ: عُلِّقَتْ إِحْدَى رِجْلَيِ الْقَاتِلِ بِسَاقِهَا إِلَى فَخِذِهَا مِنْ يَوْمِئِذٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَوَجْهُهُ فِي الشَّمْسِ حَيْثُمَا دَارَتْ دَارَ، عَلَيْهِ فِي الصَّيْفِ حَظِيرَةٌ مِنْ نَارٍ، وَعَلَيْهِ فِي الشِّتَاءِ حَظِيرَةٌ مِنْ ثَلْجٍ. قَالَ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: إِنَّا لِنَجِدُ ابْنَ آدَمَ الْقَاتِلَ يُقَاسِمُ أَهْلَ النَّارِ قِسْمَةً صَحِيحَةَ الْعَذَابِ عَلَيْهِ شَطْرُ عَذَابِهِمْ، وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حَكِيمٍ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أنه كان يقول: إن أشقى الناس رجلا لابن آدَمَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ، مَا سُفِكَ دَمٌ فِي الْأَرْضِ مُنْذُ قَتَلَ أَخَاهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا لَحِقَ بِهِ مِنْهُ شَرٌّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: مَا مِنْ مَقْتُولٍ يُقْتَلُ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ وَالشَّيْطَانِ كِفْلٌ منه، ورواه ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يَا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ قَالَ السُّدِّيُّ بِإِسْنَادِهِ الْمُتَقَدِّمِ إلى الصحابة رضي الله عنهم: لَمَّا مَاتَ الْغُلَامُ تَرَكَهُ بِالْعَرَاءِ، وَلَا يَعْلَمُ كَيْفَ يُدْفَنُ، فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابَيْنِ أَخَوَيْنِ فَاقْتَتَلَا، فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَحَفَرَ لَهُ ثُمَّ حَثَى عليه، فلما رآه قَالَ يَا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي «٢» وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عباس، قال: جاء غراب إلى غراب ميت، فحثى عَلَيْهِ مِنَ التُّرَابِ حَتَّى وَارَاهُ، فَقَالَ الَّذِي قتل أخاه يَا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي «٣» . وَقَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَكَثَ يَحْمِلُ أَخَاهُ فِي جِرَابٍ عَلَى عَاتِقِهِ سَنَةً حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ الْغُرَابَيْنِ، فَرَآهُمَا يَبْحَثَانِ، فَقَالَ أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَدَفَنَ أَخَاهُ «٤» ، وَقَالَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: كان يَحْمِلُهُ عَلَى عَاتِقِهِ مِائَةَ سَنَةٍ مَيِّتًا لَا يَدْرِي مَا يَصْنَعُ بِهِ، يَحْمِلُهُ وَيَضَعُهُ إِلَى الْأَرْضِ حَتَّى رَأَى الْغُرَابَ يَدْفِنُ الْغُرَابَ، فَقَالَ يَا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «٥» وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَقَالَ عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ:

لَمَّا قَتَلَهُ نَدِمَ فَضَمَّهُ إِلَيْهِ حَتَّى أَرْوَحَ، وَعَكَفَتْ عَلَيْهِ الطُّيُورُ وَالسِّبَاعُ تَنْتَظِرُ متى يرمي به فتأكله،


(١) مسند أحمد ١/ ٣٨٣.
(٢) تفسير الطبري ٤/ ٥٣٨.
(٣) المصدر السابق.
(٤) المصدر نفسه.
(٥) المصدر السابق ص ٥٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>