للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العظيمة الخالدة المستمرة التي لا تبيد ولا تحول ولا تزول في الغرف العالية الرفيعة، الآمنة الحسنة مناظرها، الطيبة مساكنها، التي من سكنها ينعم لا يبأس، ويحيى لا يموت، لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه.

ثم أخبر تعالى بما أعد لأعدائه الكفار من العذاب والنكال يوم القيامة فقال ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ﴾ أي لو أن أحدهم جاء يوم القيامة بملء الأرض ذهبا وبمثله ليفتدي بذلك من عذاب الله الذي قد أحاط به، وتيقن وصوله إليه ما تقبل ذلك منه، بل لا مندوحة عنه ولا محيص له ولا مناص، ولهذا قال ﴿وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ﴾ أي موجع ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ﴾ كما قال تعالى: ﴿كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها﴾ [الحج: ٢٢] الآية، فلا يزالون يريدون الخروج مما هم فيه من شدته وأليم مسه ولا سبيل لهم إلى ذلك، وكلما رفعهم اللهب فصاروا في أعلى جهنم ضربتهم الزبانية بالمقامع الحديد فيردوهم إلى أسفلها ﴿وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ﴾ أي دائم مستمر لا خروج لهم منها، ولا محيد لهم عنها، وقد قال حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله «يؤتى بالرجل من أهل النار فيقال له: يا ابن آدم، كيف وجدت مضجعك؟ فيقول: شر مضجع، فيقال: هل تفتدي بقراب الأرض ذهبا؟ قال: فيقول: نعم يا رب، فيقول الله: كذبت، قد سألتك أقل من ذلك فلم تفعل، فيؤمر به إلى النار»، رواه مسلم والنسائي من طريق حماد بن سلمة بنحوه، وكذا رواه البخاري ومسلم من طريق معاذ بن هشام الدستوائي عن أبيه عن قتادة عن أنس به، وكذا أخرجاه من طريق أبي عمران الجوني واسمه عبد الملك بن حبيب عن أنس بن مالك به، ورواه مطر الوراق عن أنس بن مالك، ورواه ابن مردويه من طريقه عنه.

ثم روى ابن مردويه من طريق المسعودي عن يزيد بن صهيب الفقير عن جابر بن عبد الله أن رسول الله قال «يخرج من النار قوم فيدخلون الجنة» قال: فقلت لجابر بن عبد الله:

يقول الله ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها﴾ قال: اتل أول الآية ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ﴾ الآية، ألا إنهم الذين كفروا. وقد روى الإمام أحمد ومسلم هذا الحديث: من وجه آخر عن يزيد الفقير، عن جابر، وهذا أبسط سياقا.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن أبي شيبة الواسطي، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا مبارك بن فضالة، حدثني يزيد الفقير قال: جلست إلى جابر بن عبد الله وهو يحدث، فحدث أن ناسا يخرجون من النار، قال: وأنا يومئذ أنكر ذلك، فغضبت وقلت:

ما أعجب من الناس، ولكن أعجب منكم يا أصحاب محمد تزعمون أن الله يخرج ناسا من

<<  <  ج: ص:  >  >>