للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يقبل إلا الإسلام أو السيف، فأخبرت هذه الآية الكريمة أنه يؤمن به جميع أهل الكتاب حينئذ ولا يتخلف عن التصديق به واحد منهم، ولهذا قال: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ أي قبل موت عيسى الذي زعم اليهود ومن وافقهم من النصارى أنه قتل وصلب ﴿وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً﴾ أي بأعمالهم التي شاهدها منهم قبل رفعه إلى السماء وبعد نزوله إلى الأرض. فأما من فسر هذه الآية بأن المعنى أن كل كتابي لا يموت حتى يؤمن بعيسى أو بمحمد عليهما الصلاة والسلام، فهذا هو الواقع، وذلك أن كل أحد عند احتضاره وينجلي له ما كان جاهلا به، فيؤمن به، ولكن لا يكون ذلك إيمانا نافعا له، إذا كان قد شاهد الملك، كما قال تعالى في أول هذه السورة ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ﴾ [النساء: ١٨]. وقال تعالى: ﴿فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللهِ وَحْدَهُ﴾ [غافر: ٨٤]، وهذا يدل على ضعف ما احتج به ابن جرير في رد هذا القول حيث قال: ولو كان المراد بهذه الآية هذا، لكان كل من آمن بمحمد أو بالمسيح ممن كفر بهما يكون على دينهما، وحينئذ لا يرثه أقرباؤه من أهل دينه، لأنه قد أخبر الصادق أنه يؤمن به قبل موته، فهذا ليس بجيد إذ لا يلزم من إيمانه أنه يصير بذلك مسلما، ألا ترى قول ابن عباس:

ولو تردى من شاهق أو ضرب بالسيف أو افترسه سبع، فإنه لا بد أن يؤمن بعيسى، فالإيمان في هذه الحال ليس بنافع ولا ينقل صاحبه عن كفره لما قدمناه، والله أعلم.

ومن تأمل جيدا وأمعن النظر، اتضح له أنه هو الواقع، لكن لا يلزم منه أن يكون المراد بهذه الآية هذا، بل المراد بها الذي ذكرناه من تقرير وجود عيسى وبقاء حياته في السماء وأنه سينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة ليكذب هؤلاء وهؤلاء من اليهود والنصارى الذين تباينت أقوالهم فيه، وتصادمت وتعاكست وتناقضت وخلت عن الحق، ففرط هؤلاء اليهود، وأفرط هؤلاء النصارى تنقصة اليهود بما رموه به وأمه من العظائم، وأطراه النصارى بحيث ادعوا فيه ما ليس فيه، فرفعوه في مقابلة أولئك عن مقام النبوة إلى مقام الربوبية، تعالى عما يقول هؤلاء وهؤلاء علوا كبيرا، وتنزه وتقدس لا إله إلا هو.

ذكر الأحاديث الواردة في نزول عيسى ابن مريم إلى الأرض من السماء في آخر الزمان

قبل يوم القيامة وأنه يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له

قال البخاري (١) في كتاب ذكر الأنبياء من صحيحه المتلقى بالقبول: نزول عيسى ابن مريم ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا يعقوب بن إبراهيم، عن أبي صالح عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : «والذي


(١) صحيح البخاري (أنبياء باب ٤٩)

<<  <  ج: ص:  >  >>