للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالسفن لو شاء لسكنها حتى لا تتحرك السفن بل تبقى راكدة لا تجيء ولا تذهب بل واقفة على ظهره أي على وجه الماء ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ﴾ أي في الشدائد ﴿شَكُورٍ﴾ أي إن في تسخيره البحر وإجرائه الهوى بقدر ما يحتاجون إليه لسيرهم لدلالات على نعمة تعالى على خلقه لكل صبار أي في الشدائد ﴿شَكُورٍ﴾ في الرخاء. وقوله ﷿ ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا﴾ أي ولو شاء لأهلك السفن وغرقها بذنوب أهلها الذين هم راكبون عليها ﴿وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ﴾ أي من ذنوبهم ولو أخذهم بجميع ذنوبهم لأهلك كل من ركب البحر.

وقال بعض علماء التفسير معنى قوله تعالى: ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا﴾ أي لو شاء لأرسل الريح قوية عاتية فأخذت السفن وأحالتها عن سيرها المستقيم فصرفتها ذات اليمين أو ذات الشمال آبقة لا تسير على طريق ولا إلى جهة مقصد، وهذا القول يتضمن هلاكها وهو مناسب للأول وهو أنه تعالى لو شاء لسكن الريح فوقفت أو لقواه فشردت وأبقت وهلكت، ولكن من لطفه ورحمته أنه يرسله بحسب الحاجة كما يرسل المطر بقدر الكفاية ولو أنزله كثيرا جدا لهدم البنيان أو قليلا لما أنبت الزرع والثمار حتى أنه يرسل إلى مثل بلاد مصر سيحا من أرض أخرى غيرها لأنهم لا يحتاجون إلى مطر ولو أنزل عليهم لهدم بنيانهم وأسقط جدرانهم، وقوله تعالى: ﴿وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ﴾ أي لا محيد لهم عن بأسنا ونقمتنا فإنهم مقهورون بقدرتنا.

[[سورة الشورى (٤٢): الآيات ٣٦ إلى ٣٩]]

﴿فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٣٦) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (٣٧) وَالَّذِينَ اِسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩)

يقول تعالى محقرا لشأن الحياة الدنيا وزينتها وما فيها من الزهرة والنعيم الفاني بقوله تعالى: ﴿فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا﴾ أي مهما حصلتم وجمعتم فلا تغتروا به فإنما هو متاع الحياة الدنيا وهي دار دنيئة فانية زائلة لا محالة ﴿وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى﴾ أي وثواب الله تعالى خير من الدنيا وهو باق سرمدي فلا تقدموا الفاني على الباقي ولهذا قال تعالى: ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ أي للذين صبروا على ترك الملاذ في الدنيا ﴿وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ أي ليعينهم على الصبر في أداء الواجبات وترك المحرمات.

ثم قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ﴾ وقد قدمنا الكلام على الإثم والفواحش في سورة الأعراف ﴿وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾ أي سجيتهم تقتضي الصفح والعفو عن الناس ليس سجيتهم الانتقام من الناس. وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله ما انتقم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمات الله (١) وفي حديث آخر كان يقول لأحدنا عند المعتبة: «ما له


(١) أخرجه البخاري في الأدب باب ٨٠، ومسلم في الفضائل حديث ٧٧، ٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>