للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: ﴿أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ﴾ قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: هو الذهب، وكذلك هو في قراءة ابن مسعود: أو يكون لك بيت من ذهب ﴿أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ﴾ أي تصعد في سلم ونحن ننظر إليك ﴿وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ﴾ قال مجاهد: أي مكتوب فيه إلى كل واحد واحد صحيفة هذا كتاب من الله لفلان تصبح موضوعة عند رأسه. وقوله تعالى: ﴿قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاّ بَشَراً رَسُولاً﴾ أي وتقدس أن يتقدم أحد بين يديه في أمر من أمور سلطانه وملكوته، بل هو الفعال لما يشاء إن شاء أجابكم إلى ما سألتم، وإن شاء لم يجبكم، وما أنا إلا رسول إليكم أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وقد فعلت ذلك، وأمركم فيما سألتم إلى الله ﷿.

قال الإمام أحمد بن حنبل (١): حدثنا علي بن إسحاق، حدثنا ابن المبارك، حدثنا يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد، عن القاسم عن أبي أمامة عن النبي قال: «عرض علي ربي ﷿ ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا، فقلت: لا يا رب ولكن أشبع يوما وأجوع يوما-أو نحو ذلك-فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك» ورواه الترمذي (٢) في الزهد عن سويد بن نصر عن ابن المبارك به، وقال: هذا حديث حسن، وعلي بن يزيد يضعف في الحديث.

[[سورة الإسراء (١٧): الآيات ٩٤ إلى ٩٥]]

﴿وَما مَنَعَ النّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاّ أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً (٩٤) قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً (٩٥)

يقول تعالى: ﴿وَما مَنَعَ النّاسَ﴾ أي أكثرهم ﴿أَنْ يُؤْمِنُوا﴾ ويتابعوا الرسل إلا استعجابهم من بعثة البشر رسلا، كما قال تعالى: ﴿أَكانَ لِلنّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [يونس: ٢]، وقال تعالى: ﴿ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا﴾ [التغابن: ٦] الآية. وقال فرعون وملؤه ﴿أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ﴾ [المؤمنون: ٤٧] وكذلك قالت الأمم لرسلهم ﴿إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ﴾ [إبراهيم: ١٠] والآيات في هذا كثيرة، ثم قال تعالى منبها على لطفه ورحمته بعباده أنه يبعث إليهم الرسول من جنسهم ليفقهوا عنه لتمكنهم من مخاطبته ومكالمته، ولو بعث إلى البشر رسولا من الملائكة لما استطاعوا مواجهته ولا الأخذ عنه كما قال تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٦٤] وقال تعالى: ﴿لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾ [التوبة: ١٢٨] وقال تعالى:

﴿كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ﴾


(١) المسند ٥/ ٢٥٤.
(٢) كتاب الزهد باب ٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>