للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٩٣] ولهذا قال هاهنا: ﴿ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ﴾.

[[سورة محمد (٤٧): الآيات ٢٩ إلى ٣١]]

﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ (٢٩) وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (٣٠) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (٣١)

يقول تعالى: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ﴾ أي أيعتقد المنافقون أن الله لا يكشف أمرهم لعباده المؤمنين، بل سيوضح أمرهم ويجليه حتى يفهمهم ذوو البصائر، وقد أنزل الله تعالى في ذلك سورة براءة فبين فيها فضائحهم، وما يعتمدونه من الأفعال الدالة على نفاقهم، ولهذا إنما كانت تسمى الفاضحة. والأضغان: جمع ضغن وهو ما في النفوس من الحسد والحقد للإسلام وأهله والقائمين بنصره.

وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ﴾ يقول ﷿ ولو نشاء يا محمد لأريناك أشخاصهم فعرفتهم عيانا، ولكن لم يفعل تعالى ذلك في جميع المنافقين سترا منه على خلقه، وحملا للأمور على ظاهر السلامة وردا للسرائر إلى عالمها ﴿وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ﴾ أي فيما يبدو من كلامهم الدال على مقاصدهم يفهم المتكلم من أي الحزبين هو بمعاني كلامه وفحواه، وهو المراد من لحن القول كما قال أمير المؤمنين عثمان بن عفان : ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه.

وفي الحديث «ما أسر أحد سريرة إلا كساه الله تعالى جلبابها إن خيرا فخير وإن شرا فشر» وقد ذكرنا ما يستدل به على نفاق الرجل وتكلمنا على نفاق العمل والاعتقاد في أول شرح البخاري بما أغنى عن إعادته هاهنا، وقد ورد في الحديث تعيين جماعة من المنافقين.

قال الإمام أحمد (١): حدثنا وكيع، حدثنا سفيان عن سلمة عن عياض بن عياض عن أبيه عن أبي مسعود عقبة بن عمرو قال: خطبنا رسول الله خطبة فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: «إن منكم منافقين فمن سميت فليقم-ثم قال-قم يا فلان، قم يا فلان قم يا فلان-حتى سمى ستة وثلاثين رجلا ثم قال-إن فيكم أو منكم-منافقين فاتقوا الله» قال فمر عمر برجل ممن سمى مقنع قد كان يعرفه فقال: ما لك؟ فحدثه بما قال رسول الله فقال: بعدا لك سائر اليوم. وقوله ﷿: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾ أي ولنختبرنكم بالأوامر والنواهي ﴿حَتّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ﴾ وليس في تقدم علم الله تعالى بما هو كائن أنه سيكون شك ولا ريب، فالمراد حتى نعلم وقوعه ولهذا يقول ابن عباس في مثل هذا: إلا لنعلم أي لنرى.


(١) المسند ٥/ ٢٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>