للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة الأنفال (٨): الآيات ٣١ إلى ٣٣]]

﴿وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٣١) وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ اِئْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٢) وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣)

يخبر تعالى عن كفر قريش وعتوهم وتمردهم وعنادهم ودعواهم الباطل عند سماع آياته إذا تتلى عليهم أنهم يقولون ﴿قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا﴾ وهذا منهم قول بلا فعل وإلا فقد تحدوا غير ما مرة أن يأتوا بسورة من مثله فلا يجدون إلى ذلك سبيلا وإنما هذا القول منهم يغرون به أنفسهم ومن تبعهم على باطلهم.

وقد قيل إن القائل لذلك هو النضر بن الحارث لعنه الله كما قد نص على ذلك سعيد بن جبير والسدي وابن جريج وغيرهم فإنه لعنه الله كان قد ذهب إلى بلاد فارس وتعلم من أخبار ملوكهم رستم وإسفنديار، ولما قدم وجد رسول الله قد بعثه الله وهو يتلو على الناس القرآن فكان إذا قام من مجلس جلس فيه النضر فحدثهم من أخبار أولئك ثم يقول بالله أينا أحسن قصصا أنا أو محمد؟ ولهذا لما أمكن الله تعالى منه يوم بدر ووقع في الأسارى أمر رسول الله أن تضرب رقبته صبرا بين يديه ففعل ذلك، ولله الحمد.

وكان الذي أسره المقداد بن الأسود كما قال ابن جرير (١): حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال قتل النبي يوم بدر صبرا عقبة بن أبي معيط وطعيمة بن عدي والنضر بن الحارث وكان المقداد أسر النضر فلما أمر بقتله قال المقداد يا رسول الله أسيري فقال رسول الله إنه كان يقول في كتاب الله ﷿ ما يقول فأمر رسول الله بقتله فقال المقداد يا رسول الله أسيري فقال رسول الله «اللهم أغن المقداد من فضلك» فقال المقداد هذا الذي أردت، قال وفيه أنزلت هذه الآية ﴿وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾.

وكذا رواه هشيم عن أبي بشر جعفر بن أبي دحية عن سعيد بن جبير أنه قال المطعم بن عدي بدل طعيمة وهو غلط لأن المطعم بن عدي لم يكن حيا يوم بدر، ولهذا قال رسول الله يومئذ: لو كان المطعم بن عدي حيا ثم سألني في هؤلاء النتنى لوهبتهم له» (٢) يعني الأسارى لأنه كان قد أجار رسول الله يوم رجع من الطائف.

ومعنى ﴿أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ وهو جمع أسطورة أي كتبهم اقتبسها فهو يتعلم منها ويتلوها على الناس وهذا هو الكذب البحت كما أخبر الله عنهم في الآية الأخرى


(١) تفسير الطبري ٦/ ٢٣٠.
(٢) أخرجه البخاري في الخمس باب ١٦، والمغازي باب ١٢، وأبو داود في الجهاد باب ١٢٠، وأحمد في المسند ٤/ ٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>