للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُكَذِّبَةَ كَمَا أَهْلَكَ قَوْمَ نُوحٍ بِالطُّوفَانِ، وَعَادًا الْأُولَى بِالدَّبُورِ، وَثَمُودَ بِالصَّيْحَةِ، وَقَوْمَ لُوطٍ بِالْخَسْفِ وَالْقَلْبِ وَحِجَارَةِ السِّجِّيلِ، وَقَوْمَ شُعَيْبٍ بِيَوْمِ الظُّلَّةِ، فلما بعث الله تعالى موسى وَأَهْلَكَ عَدُوَّهُ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ بِالْغَرَقِ فِي الْيَمِّ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَى مُوسَى التَّوْرَاةَ شَرَعَ فِيهَا قِتَالَ الْكُفَّارِ وَاسْتَمَرَّ الْحُكْمُ فِي بَقِيَّةِ الشَّرَائِعِ بَعْدَهُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ [القصص: ٤٣] وقتل المؤمنين للكافرين، أَشَدُّ إِهَانَةً لِلْكَافِرِينَ، وَأَشْفَى لِصُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ [التَّوْبَةِ: ١٤] وَلِهَذَا كَانَ قَتْلُ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ بِأَيْدِي أَعْدَائِهِمُ الَّذِينَ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ بِأَعْيُنِ ازْدِرَائِهِمْ أَنَكَى لَهُمْ وَأَشْفَى لِصُدُورِ حِزْبِ الْإِيمَانِ، فَقَتْلُ أَبِي جَهْلٍ فِي مَعْرَكَةِ الْقِتَالِ وَحَوْمَةِ الْوَغَى أَشَدُّ إهانة له من موته عَلَى فِرَاشِهِ بِقَارِعَةٍ أَوْ صَاعِقَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَمَا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ لَعَنَهُ اللَّهُ بِالْعَدَسَةِ «١» بِحَيْثُ لَمْ يَقْرَبْهُ أَحَدٌ مِنْ أَقَارِبِهِ، وَإِنَّمَا غَسَّلُوهُ بِالْمَاءِ قَذْفًا مِنْ بَعِيدٍ، وَرَجَمُوهُ حَتَّى دَفَنُوهُ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ أَيْ لَهُ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ بِهِمَا في الدنيا والآخرة كقوله تَعَالَى:

إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ [غَافِرِ: ٥١] حَكِيمٌ فِيمَا شَرَعَهُ مِنْ قِتَالِ الْكُفَّارِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى دَمَارِهِمْ وَإِهْلَاكِهِمْ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ سبحانه وتعالى.

[سورة الأنفال (٨) : الآيات ١١ الى ١٤]

إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (١١) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (١٢) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٣) ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ (١٤)

يذكرهم الله تعالى بِمَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ إِلْقَائِهِ النُّعَاسَ عليهم أمانا أمنهم به مِنْ خَوْفِهِمُ الَّذِي حَصَلَ لَهُمْ مِنْ كَثْرَةِ عَدُوِّهِمْ وَقِلَّةِ عَدَدِهِمْ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ تَعَالَى بِهِمْ يَوْمَ أُحُدٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ [آلِ عمران:

١٥٤] الآية، قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: كُنْتُ مِمَّنْ أَصَابَهُ النُّعَاسُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَلَقَدْ سَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِي مِرَارًا يَسْقُطُ وَآخُذُهُ، وَيَسْقُطُ وَآخُذُهُ، وَلَقَدْ نَظَرْتُ إِلَيْهِمْ يَمِيدُونَ وَهُمْ تَحْتَ الْحَجَفِ.

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَا كَانَ فِينَا فَارِسٌ يَوْمَ بَدْرٍ غَيْرُ الْمِقْدَادِ وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا فِينَا إِلَّا نَائِمٌ، إِلَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي تَحْتَ شَجَرَةٍ وَيَبْكِي حَتَّى أَصْبَحَ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: النُّعَاسُ فِي الْقِتَالِ أمنة


(١) العدسة: بثرة تشبه العدسة، تخرج في الجسد، تقتل صاحبها غالبا.

<<  <  ج: ص:  >  >>