للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك كله عليك وقال العوفي عن ابن عباس: فذكر قصة بدر إلى أن قال: فقال أبو جهل لا تقتلوهم قتلا ولكن خذوهم أخذا حتى تعرفوهم الذي صنعوا من طعنهم في دينكم ورغبتهم عن اللات والعزى فأوحى الله إلى الملائكة ﴿أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ﴾ الآية، فقتل أبو جهل لعنه الله في تسعة وستين رجلا، وأسر عقبة بن أبي معيط فقتل صبرا فوفى ذلك سبعين يعني قتيلا.

ولهذا قال تعالى: ﴿ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ﴾ أي خالفوهما فساروا في شق، وتركوا الشرع والإيمان به واتباعه في شق، ومأخوذ أيضا من شق العصا وهو جعلها فرقتين ﴿وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ﴾ أي هو الطالب الغالب لمن خالفه وناوأه لا يفوته شيء ولا يقوم لغضبه شيء لا إله ولا رب سواه ﴿ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النّارِ﴾ هذا خطاب للكفار أي ذوقوا هذا العذاب والنكال في الدنيا واعلموا أيضا أن للكافرين عذاب النار في الآخرة.

[[سورة الأنفال (٨): الآيات ١٥ إلى ١٦]]

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (١٥) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦)

يقول تعالى متوعدا على الفرار من الزحف بالنار لمن فعل ذلك ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً﴾ أي تقاربتم منهم ودنوتم إليهم ﴿فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ﴾ أي تفروا وتتركوا أصحابكم ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ﴾ أي يفر بين يدي قرنه مكيدة ليريه أنه قد خاف منه فيتبعه ثم يكر عليه فيقتله فلا بأس عليه في ذلك نص عليه سعيد بن جبير والسدي، وقال الضحاك أن يتقدم عن أصحابه ليرى غرة من العدو فيصيبها ﴿أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ﴾ أي فر من هاهنا إلى فئة أخرى من المسلمين يعاونهم ويعاونونه فيجوز له ذلك حتى لو كان في سرية ففر إلى أميره أو الإمام الأعظم دخل في هذه الرخصة.

قال الإمام أحمد (١): حدثنا حسن حدثنا زهير حدثنا يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن عمر قال: كنت في سرية من سرايا رسول الله فحاص الناس حيصة فكنت فيمن حاص فقلنا كيف نصنع وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب؟ ثم قلنا لو دخلنا المدينة، فبتنا، ثم قلنا لو عرضنا أنفسنا على رسول الله فإن كانت لنا توبة وإلا ذهبنا، فأتيناه قبل صلاة الغداة فخرج فقال «من القوم؟» فقلنا نحن الفرارون فقال «لا بل أنتم العكارون أنا فئتكم وأنا فئة المسلمين» قال فأتيناه حتى قبلنا يده (٢).


(١) المسند ٢/ ٧٠، ٨٦، ١٠٠، ١١١.
(٢) أخرجه أبو داود في الجهاد باب ٩٦، والترمذي في الجهاد باب ٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>