للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقُولُ تَعَالَى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَتَبْرُزُ الْخَلَائِقُ لِدَيَّانِهَا، تَرَى يَا مُحَمَّدُ يَوْمَئِذٍ الْمُجْرِمِينَ وَهُمُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا بِكُفْرِهِمْ وَفَسَادِهِمْ مُقَرَّنِينَ أَيْ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَدْ جُمِعَ بَيْنَ النُّظَرَاءِ أَوِ الْأَشْكَالِ مِنْهُمْ كُلِّ صِنْفٍ إِلَى صِنْفٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ [الصَّافَّاتِ: ٢٢] وَقَالَ: وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ [التَّكْوِيرِ: ٧] وَقَالَ:

وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً [الْفُرْقَانِ: ١٣] وَقَالَ: وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ [ص: ٣٧- ٣٨] وَالْأَصْفَادُ هِيَ الْقُيُودُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْأَعْمَشُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ، وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي اللُّغَةِ، قَالَ عَمْرُو بن كلثوم: [الوافر]

فَآبُوا بِالثِّيَابِ وَبِالسَّبَايَا ... وأُبْنَا بِالْمُلُوكِ مُصَفَّدِينَا «١»

وَقَوْلُهُ: سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ أَيْ ثِيَابُهُمُ الَّتِي يَلْبَسُونَهَا مِنْ قَطِرَانٍ، وَهُوَ الَّذِي تُهَنَّأُ بِهِ الْإِبِلُ أي تطلى، قال قَتَادَةُ: وَهُوَ أَلْصَقُ شَيْءٍ بِالنَّارِ. وَيُقَالُ فِيهِ: قطران بفتح القاف وكسر الطاء وتسكينها، وَبِكَسْرِ الْقَافِ وَتَسْكِينِ الطَّاءِ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي النجم: [رجز]

كَأَنَّ قِطْرانًا إِذَا تَلَاهَا ... تَرْمِي بِهِ الرِّيحُ إِلَى مَجْرَاهَا «٢»

وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: الْقَطِرَانُ هنا النُّحَاسُ الْمُذَابُ، وَرُبَّمَا قَرَأَهَا سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ أَيْ مِنْ نُحَاسٍ حَارٍّ قَدِ انْتَهَى حَرُّهُ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ. وَقَوْلُهُ: وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ كَقَوْلِهِ: تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: ١٠٤] وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٣» رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ زَيْدٍ عَنْ أَبِي سَلَّامٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«أَرْبَعٌ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُتْرَكْنَ: الْفَخْرُ بِالْأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ، وَالِاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، والنياحة على الميت، وَالنَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا، تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٍ مِنْ جَرَبٍ» انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ مُسْلِمٌ «٤» . وَفِي حَدِيثِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ تُوقَفُ فِي طريق بين الجنة والنار سرابيلها مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وَجْهَهَا النَّارُ» .

وَقَوْلُهُ: لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا قَالَ: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا [النجم: ٣١] الآية إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كقوله تعالى:


(١) البيت في تفسير الطبري ٧/ ٤٨٤، والشطر الثاني في تفسير البحر المحيط ٥/ ٤١٩.
(٢) الرجز في تفسير الطبري ٧/ ٤٨٥.
(٣) المسند ٥/ ٣٤٢، ٣٤٣، ٣٤٤.
(٤) كتاب الجنائز حديث ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>