فالملك كله العلوي والسفلي وما فيهما من ملائكة وإنس وجان فقيرون إليه عبيد له خاضعون لديه ﴿فَسَيَقُولُونَ اللهُ﴾ أي وهم يعلمون ذلك ويعترفون به.
﴿فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ أي أفلا تخافون منه أن تعبدوا معه غيره بآرائكم وجهلكم وقوله:
﴿فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ﴾ الآية أي فهذا الذي اعترفتم بأنه فاعل ذلك كله هو ربكم وإلهكم الحق الذي يستحق أن يفرد بالعبادة ﴿فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ﴾ أي فكل معبود سواه باطل لا إله إلا هو واحد لا شريك له ﴿فَأَنّى تُصْرَفُونَ﴾ أي فكيف تصرفون عن عبادته إلى عبادة ما سواه وأنتم تعلمون أنه الرب الذي خلق كل شيء والمتصرف في كل شيء، وقوله: ﴿كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا﴾ الآية أي كما كفر هؤلاء المشركون واستمروا على شركهم وعبادتهم مع الله غيره مع أنهم يعترفون بأنه الخالق المتصرف في الملك وحده الذي بعث رسله بتوحيده، فلهذا حقت عليهم كلمة الله أنهم أشقياء من ساكني النار كقوله: ﴿قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ﴾ [الزمر: ٧١].
وهذا إبطال لدعواهم فيما أشركوا بالله غيره، وعبدوا من الأصنام والأنداد ﴿قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ أي من بدأ خلق هذه السموات والأرض ثم ينشئ ما فيهما من الخلائق، ويفرق أجرام السموات والأرض ويبدلهما بفناء ما فيهما ثم يعيد الخلق خلقا جديدا ﴿قُلِ اللهُ﴾ هو الذي يفعل هذا ويستقل به وحده لا شريك له ﴿فَأَنّى تُؤْفَكُونَ﴾ أي فكيف تصرفون عن طريق الرشد إلى الباطل ﴿قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ﴾ أي أنتم تعلمون أن شركاءكم لا تقدر على هداية ضال، وإنما يهدي الحيارى والضلال ويقلب القلوب من الغي إلى الرشد الله الذي لا إله إلا هو.
﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدى﴾ أي أفيتبع العبد الذي يهدي إلى الحق ويبصر بعد العمى أم الذي لا يهدي إلى شيء إلا أن يهدى لعماه وبكمه كما قال تعالى إخبارا عن إبراهيم أنه قال: ﴿يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً﴾ [مريم:٤٢] وقال لقومه: ﴿أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات: ٩٥ - ٩٦] إلى غير ذلك من الآيات وقوله: ﴿فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ أي فما بالكم أن يذهب بعقولكم كيف سويتم بين الله وبين خلقه وعدلتم هذا بهذا وعبدتم هذا وهذا، وهلا أفردتم الرب ﷻ المالك الحاكم الهادي من الضلالة بالعبادة وحده وأخلصتم إليه الدعوة والإنابة، ثم بين تعالى