للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[والقول الثاني] ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ الضلال ﴿لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً﴾ أي لأوسعنا عليهم الرزق استدراجا، كما قال تعالى: ﴿فَلَمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ [الأنعام: ٤٤] وكقوله:

﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ﴾ [المؤمنون: ٥٥ - ٥٦] وهذا قول أبي مجلز لاحق بن حميد، فإنه قال في قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ أي طريقة الضلالة، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم، وحكاه البغوي عن الربيع بن أنس وزيد بن أسلم والكلبي وابن كيسان وله اتجاه، ويتأيد بقوله لنفتنهم فيه. وقوله: ﴿وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً﴾ أي عذابا مشقا شديدا موجعا مؤلما، قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة وابن زيد: ﴿عَذاباً صَعَداً﴾ أي مشقة لا راحة معها، وعن ابن عباس: جبل في جهنم، وعن سعيد بن جبير: بئر فيها.

[[سورة الجن (٧٢): الآيات ١٨ إلى ٢٤]]

﴿وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً (١٨) وَأَنَّهُ لَمّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (١٩) قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (٢٠) قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً (٢١) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٢) إِلاّ بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً (٢٣) حَتّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً (٢٤)

يقول تعالى آمرا عباده أن يوحدوه في محال عبادته ولا يدعى معه أحد ولا يشرك به، كما قال قتادة في قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً﴾ قال: كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا بالله، فأمر الله نبيه أن يوحدوه وحده (١).

وقال ابن أبي حاتم: ذكر علي بن الحسين، حدثنا إسماعيل ابن بنت السدي، أخبرنا رجل سماه عن السدي، عن أبي مالك أو أبي صالح، عن ابن عباس في قوله: ﴿وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً﴾ قال: لم يكن يوم نزلت هذه الآية في الأرض مسجد إلا المسجد الحرام ومسجد إيليا بيت المقدس. وقال الأعمش: قالت الجن: يا رسول الله ائذن لنا فنشهد معك الصلوات في مسجدك، فأنزل الله تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً﴾ يقول:

صلوا لا تخالطوا الناس.

وقال ابن جرير (٢): حدثنا ابن حميد حدثنا مهران، حدثنا سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن محمود عن سعيد بن جبير ﴿وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً﴾ قال: قالت الجن لنبي الله كيف لنا أن نأتي المسجد ونحن ناؤون؟ أي بعيدون عنك، وكيف نشهد الصلاة ونحن ناؤون عنك؟ فنزلت ﴿وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً﴾.


(١) انظر تفسير الطبري ١٢/ ٢٧١.
(٢) تفسير الطبري ١٢/ ٢٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>