وقوله ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها﴾ قال البخاري: حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: كانوا إذا أحرموا في الجاهلية، أتوا البيت من ظهره فأنزل الله ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها﴾ وكذا رواه أبو داود الطيالسي عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: كانت الأنصار إذا قدموا من سفرهم، لم يدخل الرجل من قبل بابه، فنزلت هذه الآية.
وقال الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر: كانت قريش تدعى الحمس (١)، وكانوا يدخلون من الأبواب في الإحرام، وكانت الأنصار وسائر العرب لا يدخلون من باب في الإحرام، فبينا رسول الله ﷺ في بستان، إذ خرج من بابه، وخرج معه قطبة بن عامر من الأنصار فقالوا:
يا رسول الله، إن قطبة بن عامر رجل تاجر، وإنه خرج معك من الباب، فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ قال: رأيتك فعلته، ففعلت كما فعلت، فقال: إني أحمس، قال له: فإن ديني دينك. فأنزل الله ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها﴾ رواه ابن أبي حاتم، ورواه العوفي عن ابن عباس بنحوه، وكذا روي عن مجاهد والزهري وقتادة وإبراهيم النخعي والسدي والربيع بن أنس.
وقال الحسن البصري: كان أقوام من أهل الجاهلية إذا أراد أحدهم سفرا، وخرج من بيته يريد سفره الذي خرج له، ثم بدا له بعد خروجه أن يقيم ويدع سفره، لم يدخل البيت من بابه ولكن يتسوره من قبل ظهره، فقال الله تعالى: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها﴾ الآية، وقال محمد بن كعب: كان الرجل إذا اعتكف لم يدخل منزله من باب البيت، فأنزل الله هذه الآية، وقال عطاء بن أبي رباح: كان أهل يثرب إذا رجعوا من عيدهم دخلوا منازلهم من ظهورها، ويرون أن ذلك أدنى إلى البر، فقال الله ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها﴾ وقوله: ﴿وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ أي اتقوا الله، فافعلوا ما أمركم به واتركوا ما نهاكم عنه ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ غدا إذا وقفتهم بين يديه فيجازيكم على التمام والكمال.