للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فوق ما طلبتم من محبتكم إياه وهو محبته إياكم، وهو أعظم من الأول، كما قال بعض العلماء الحكماء: ليس الشأن أن تحبّ إنما الشأن أن تحبّ. وقال الحسن البصري وغيره من السلف:

زعم قوم أنهم يحبون الله، فابتلاهم الله بهذه الآية، فقال: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ﴾ وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا علي بن محمد الطنافسي، حدثنا عبيد الله بن موسى عن عبد الأعلى بن أعين، عن يحيى بن أبي كثير، عن عروة، عن عائشة ، قالت: قال رسول الله «وهل الدين إلا الحب في الله والبغض في الله قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي﴾ قال أبو زرعة: عبد الأعلى هذا منكر الحديث.

ثم قال تعالى: ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ، وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ أي باتباعكم الرسول ، يحصل لكم هذا كله من بركة سفارته، ثم قال تعالى آمرا لكل أحد من خاص وعام ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ أي خالفوا عن أمره ﴿فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ﴾ فدل على أن مخالفته في الطريقة كفر، والله لا يحب من اتصف بذلك، وإن ادعى وزعم في نفسه أنه محب لله ويتقرب إليه حتى يتابع الرسول النبي الأمي خاتم الرسل ورسول الله إلى جميع الثقلين: الجن والإنس، الذي لو كان الأنبياء بل المرسلون بل أولو العزم منهم في زمانه ما وسعهم إلا اتباعه، والدخول في طاعته، واتباع شريعته، كما سيأتي تقريره عند قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ﴾ [آل عمران: ٨١]، إن شاء الله تعالى.

[[سورة آل عمران (٣): الآيات ٣٣ إلى ٣٤]]

﴿إِنَّ اللهَ اِصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٣) ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٣٤)

يخبر تعالى أنه اختار هذه البيوت على سائر أهل الأرض، فاصطفى آدم خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وعلمه أسماء كل شيء، وأسكنه الجنة، ثم أهبطه منها لما له في ذلك من الحكمة، واصطفى نوحا وجعله أول رسول بعثه إلى أهل الأرض، لما عبد الناس الأوثان، وأشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا، وانتقم له لما طالت مدته بين ظهراني قومه يدعوهم إلى الله ليلا ونهارا، سرا وجهارا، فلم يزدهم ذلك إلا فرارا، فدعا عليهم، فأغرقهم الله عن آخرهم، ولم ينج منهم إلا من اتبعه على دينه الذي بعثه الله به، واصطفى آل إبراهيم، ومنهم سيد البشر وخاتم الأنبياء على الإطلاق محمد ، وآل عمران والمراد بعمران هذا هو والد مريم بنت عمران أم عيسى ابن مريم . قال محمد بن إسحاق بن يسار : هو عمران بن ياشم بن أمون بن ميشا بن حزقيا بن أحريق بن يويم بن عزاريا بن أمصيا بن ياوش بن أجريهو بن يازم بن يهفاشاط بن إنشا بن أبيان بن رحيعم بن سليمان بن داود (١)، فعيسى من ذرية إبراهيم كما سيأتي


(١) ورد نسب عمران في تفسير الطبري (٦/ ٣٢٩ - طبعة دار المعارف بمصر) على النحو التالي محققا: عمران بن ياشهم بن أمون بن منشا بن حزقيا بن أحزيق بن يوثم بن عزاريا بن أمصيا بن ياوش بن أحزيهو بن يارم بن يهفاشاط بن أسابر بن أبيا بن رحبعم بن سليمان بن داود بن إيشا. والطبري يذكر هنا رواية ابن إسحاق.

<<  <  ج: ص:  >  >>