للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَرِيبٌ فِي الْمَعْنَى مِنَ الْأَوَّلِ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْأَبْصَارَ تَنْبَهِرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتَخْشَعُ وَتَحَارُ وَتَذِلُّ مِنْ شِدَّةِ الْأَهْوَالِ وَمَنْ عِظَمِ مَا تُشَاهِدُهُ يوم القيامة من الأمور.

وقوله تعالى: وَخَسَفَ الْقَمَرُ أي ذهب ضوؤه وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ قَالَ مُجَاهِدٌ:

كُوِّرَا، وَقَرَأَ ابْنُ زَيْدٍ عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ [التَّكْوِيرِ:

١] وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَرَأَ وَجُمِعَ بَيْنَ الشمس والقمر.

وقوله تعالى: يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ أَيْ إِذَا عَايَنَ ابْنُ آدَمَ هَذِهِ الْأَهْوَالَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَئِذٍ يُرِيدُ أَنْ يَفِرَّ وَيَقُولُ أَيْنَ الْمَفَرُّ أَيْ هَلْ مِنْ مَلْجَأٍ أَوْ مَوْئِلٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: كَلَّا لَا وَزَرَ إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ: أي لا نجاة، وهذه الآية كقوله تعالى: مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ [الشُّورَى: ٤٧] أَيْ لَيْسَ لَكُمْ مَكَانٌ تَتَنَكَّرُونَ فِيهِ، وَكَذَا قَالَ هَاهُنَا: لَا وَزَرَ أَيْ لَيْسَ لَكُمْ مَكَانٌ تَعْتَصِمُونَ فِيهِ، وَلِهَذَا قَالَ: إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ

أَيِ الْمَرْجِعُ والمصير.

ثم قال تعالى: يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ

أَيْ يُخْبَرُ بِجَمِيعِ أَعْمَالِهِ قَدِيمِهَا وَحَدِيثِهَا، أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا، صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً [الْكَهْفِ: ٤٩] وَهَكَذَا قَالَ هَاهُنَا: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ

أَيْ هُوَ شَهِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ عَالِمٌ بِمَا فَعَلَهُ وَلَوِ اعْتَذَرَ وَأَنْكَرَ، وكما قَالَ تَعَالَى: اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [الْإِسْرَاءِ: ١٤] وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ

يَقُولُ: سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَيَدَاهُ وَرِجْلَاهُ وَجَوَارِحُهُ. وَقَالَ قَتَادَةُ:

شَاهِدٌ عَلَى نَفْسِهِ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: إِذَا شِئْتَ وَاللَّهِ رَأَيْتَهُ بَصِيرًا بِعُيُوبِ النَّاسِ وَذُنُوبِهِمْ غَافِلًا عَنْ ذُنُوبِهِ. وَكَانَ يُقَالُ: إِنَّ فِي الْإِنْجِيلِ مَكْتُوبًا يَا ابْنَ آدَمَ تُبْصِرُ الْقَذَاةَ فِي عَيْنِ أَخِيكَ وَتَتْرُكُ الْجِذْلَ فِي عَيْنِكَ لَا تُبْصِرُهُ!.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ

وَلَوْ جَادَلَ عَنْهَا فَهُوَ بَصِيرٌ عَلَيْهَا. وَقَالَ قَتَادَةُ وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ

وَلَوِ اعْتَذَرَ يَوْمَئِذٍ بِبَاطِلٍ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ

حُجَّتَهُ.

وَكَذَا قَالَ ابْنُ زَيْدٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ عَنْ زُرَارَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ

يَقُولُ: لَوْ ألقى ثيابه. وقال الضحاك: ولو ألقى سُتُورَهُ وَأَهْلُ الْيَمَنِ يُسَمَّوْنَ السِّتْرَ الْمِعْذَارَ. وَالصَّحِيحُ قول مجاهد وأصحابه كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام: ٢٣] كقوله تَعَالَى: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ [الْمُجَادَلَةِ: ١٨] وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ

هِيَ الِاعْتِذَارُ أَلَمْ تَسْمَعْ أَنَّهُ قَالَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَقَالَ وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ [النَّحْلِ: ٨٧] فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ [النَّحْلِ:

٢٨] وَقَوْلُهُمْ وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام: ٢٣] .

<<  <  ج: ص:  >  >>