للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «١» : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ قَالَ: تَلُومُ عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عباس عن ذلك فقال: هي النفس اللؤوم، وقال ابن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ تَنْدَمُ عَلَى مَا فَاتَ وَتَلُومُ عَلَيْهِ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: اللَّوَّامَةُ الْمَذْمُومَةُ، وَقَالَ قتادة اللَّوَّامَةِ الفاجرة. وقال ابن جرير: وكل هذه الأقوال متقاربة بالمعنى والأشبه بِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ أَنَّهَا الَّتِي تَلُومُ صَاحِبَهَا عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَتَنْدَمُ عَلَى مَا فَاتَ.

وَقَوْلُهُ تعالى: أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيُظَنُّ أَنَّا لَا نَقْدِرُ عَلَى إِعَادَةِ عِظَامِهِ وَجَمْعِهَا مِنْ أَمَاكِنِهَا الْمُتَفَرِّقَةِ بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ وقال سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنْ نَجْعَلَهُ خُفًّا أَوْ حَافِرًا، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَابْنُ جَرِيرٍ، وَوَجَّهَهُ ابْنُ جَرِيرٍ بِأَنَّهُ تَعَالَى لَوْ شَاءَ لَجَعَلَ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا، وَالظَّاهِرُ مِنَ الْآيَةِ أن قوله تعالى: قادِرِينَ حال من قوله تعالى: نَجْمَعَ أَيْ أَيُظَنُّ الْإِنْسَانُ أَنَا لَا نَجْمَعُ عِظَامَهُ؟ بَلَى سَنَجْمَعُهَا قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ أَيْ قُدْرَتُنَا صَالِحَةٌ لِجَمْعِهَا، وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَاهُ أَزْيَدَ مِمَّا كَانَ فَنَجْعَلُ بَنَانَهُ وَهِيَ أَطْرَافُ أَصَابِعِهِ مُسْتَوِيَةً، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ قُتَيْبَةَ وَالزَّجَّاجِ.

وَقَوْلُهُ: بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ قَالَ سَعِيدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْنِي يَمْضِي قُدُمًا، وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ يَعْنِي الْأَمَلَ، يَقُولُ الْإِنْسَانُ أَعْمَلُ ثُمَّ أَتُوبُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَيُقَالُ: هُوَ الْكُفْرُ بِالْحَقِّ بَيْنَ يَدَيِ الْقِيَامَةِ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ لِيَمْضِيَ أَمَامَهُ رَاكِبًا رَأْسَهُ، وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا يُلْقَى ابْنُ آدَمَ إِلَّا تَنْزِعُ نَفْسَهُ إِلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ قُدُمًا قُدُمًا إِلَّا من عصمه الله تعالى، وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكِ وَالسُّدِّيِّ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ: هُوَ الَّذِي يَعْجَلُ الذُّنُوبَ وَيُسَوِّفُ التَّوْبَةَ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ الْكَافِرُ يُكَذِّبُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ زَيْدٍ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ مِنَ الْمُرَادِ، وَلِهَذَا قَالَ بعده يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ أَيْ يَقُولُ مَتَى يَكُونُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَإِنَّمَا سُؤَالُهُ سُؤَالُ اسْتِبْعَادٍ لِوُقُوعِهِ وَتَكْذِيبٌ لِوُجُودِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ [سَبَأٍ: ٢٩- ٣٠] .

وَقَالَ تَعَالَى هَاهُنَا: فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ قرأ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ بَرِقَ بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ حَارَ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شَبِيهٌ بِقَوْلِهِ تعالى: لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ [إبراهيم: ٤٣] أي بَلْ يَنْظُرُونَ مِنَ الْفَزَعِ هَكَذَا وَهَكَذَا لَا يَسْتَقِرُّ لَهُمْ بَصَرٌ عَلَى شَيْءٍ مِنْ شِدَّةِ الرعب، وقرأ آخرون برق بالفتح وهو


(١) تفسير الطبري ١٢/ ٣٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>