للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد روى ابن جرير (١) في ذلك حديثا غريبا منكرا لا يصح فقال: حدثنا إسحاق بن وهب الواسطي، حدثنا مسعود بن موسى بن مشكان الواسطي، حدثنا نصر بن خزيمة الواسطي عن شعيب بن صفوان عن محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة عن النبي قال: «الفلق جب في جهنم مغطى وأما سجين فمفتوح» والصحيح أن سجينا مأخوذ من السجن وهو الضيق، فإن المخلوقات كل ما تسافل منها ضاق وكل ما تعالى منها اتسع، فإن الأفلاك السبعة كل واحد منها أوسع وأعلى من الذي دونه، وكذلك الأرضون كل واحدة أوسع من التي دونها حتى ينتهي السفول المطلق والمحل الأضيق إلى المركز في وسط الأرض السابعة، ولما كان مصير الفجار إلى جهنم وهي أسفل السافلين كما قال تعالى: ﴿ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾ [التين: ٥] وقال هاهنا: ﴿كَلاّ إِنَّ كِتابَ الفُجّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ﴾ وهو يجمع الضيق والسفول كما قال تعالى: ﴿وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً﴾ [الفرقان: ١٣].

وقوله تعالى: ﴿كِتابٌ مَرْقُومٌ﴾ ليس تفسيرا لقوله ﴿وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ﴾ وإنما هو تفسير لما كتب لهم من المصير إلى سجين أي مرقوم مكتوب مفروغ منه لا يزاد فيه أحد ولا ينقص منه أحد. قاله محمد بن كعب القرظي ثم قال تعالى: ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ أي إذا صاروا يوم القيامة إلى ما أوعدهم الله من السجن والعذاب المهين، وقد تقدم الكلام على قوله ويل بما أغنى عن إعادته وأن المراد من ذلك الهلاك والدمار كما يقال: ويل لفلان، وكما جاء في المسند والسنن من رواية بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله : «ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك الناس ويل له ويل له» (٢).

ثم قال تعالى مفسرا للمكذبين الفجار الكفرة: ﴿الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾ أي لا يصدقون بوقوعه ولا يعتقدون كونه ويستبعدون أمره، قال الله تعالى: ﴿وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلاّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ﴾ أي معتد في أفعاله من تعاطي الحرام والمجاوزة في تناول المباح والأثيم في أقواله إن حدث كذب، وإن وعد أخلف، وإن خاصم فجر.

وقوله تعالى: ﴿إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ أي إذا سمع كلام الله تعالى من الرسول يكذب به ويظن به ظن السوء فيعتقد أنه مفتعل مجموع من كتب الأوائل، كما قال تعالى: ﴿وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [النحل: ٢٤] وقال تعالى: ﴿وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ [الفرقان: ٥] قال الله تعالى:


(١) تفسير الطبري ١٢/ ٤٨٨.
(٢) أخرجه أبو داود في الأدب باب ٨٠، والترمذي في الزهد باب ١٠، والدارمي في الاستئذان باب ٦٦، وأحمد في المسند ٥/ ٣، ٥، ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>