للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِرْعَوْنُ مِنْ عَظَمَةِ الْمَمْلَكَةِ وَالسُّلْطَانِ، فَجَاءَهُ بِرِسَالَةِ الله تعالى وَلَيْسَ لَهُ وَزِيرٌ سِوَى أَخِيهِ هَارُونَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَتَمَرَّدَ فِرْعَوْنُ وَاسْتَكْبَرَ وَأَخَذَتْهُ الْحَمِيَّةُ، وَالنَّفْسُ الخبيثة وَقَوَّى رَأَسَهُ وَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ وَتَجَهْرَمَ عَلَى اللَّهِ وَعَتَا وَبَغَى وَأَهَانَ حِزْبَ الْإِيمَانِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَاللَّهُ تَعَالَى يحفظ رسوله موسى عليه السلام وأخاه هارون ويحطوهما بِعِنَايَتِهِ وَيَحْرُسُهُمَا بِعَيْنِهِ الَّتِي لَا تَنَامُ وَلَمْ تَزَلِ الْمُحَاجَّةُ وَالْمُجَادَلَةُ وَالْآيَاتُ تَقُومُ عَلَى يَدَيْ مُوسَى شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وَمَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ مِمَّا يُبْهِرُ الْعُقُولَ وَيُدْهِشُ الْأَلْبَابَ مِمَّا لَا يَقُومُ لَهُ شَيْءٌ وَلَا يَأْتِي بِهِ إِلَّا مَنْ هُوَ مُؤَيَّدٌ مِنَ اللَّهِ وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَصَمَّمَ فِرْعَوْنُ وَمَلَؤُهُ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ عَلَى التَّكْذِيبِ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَالْجَحَدِ وَالْعِنَادِ وَالْمُكَابَرَةِ حَتَّى أَحَلَّ اللَّهُ بِهِمْ بَأْسَهُ الَّذِي لَا يُرَدُّ، وَأَغْرَقَهُمْ فِي صَبِيحَةٍ وَاحِدَةٍ أَجْمَعِينَ فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [الْأَنْعَامِ: ٤٥] .

[سورة يونس (١٠) : الآيات ٧٩ الى ٨٢]

وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (٧٩) فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٨٠) فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (٨١) وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨٢)

ذكر الله سبحانه قِصَّةَ السَّحَرَةِ مَعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَقَدْ تَقَدَمَّ الْكَلَامُ عَلَيْهَا هُنَاكَ وَفِي هَذِهِ السُّورَةِ وَفِي سُورَةِ طه وَفِي الشُّعَرَاءِ وَذَلِكَ أَنَّ فِرْعَوْنَ لَعَنَهُ اللَّهُ أَرَادَ أَنْ يَتَهَرَّجَ عَلَى النَّاسِ وَيُعَارِضَ مَا جَاءَ بِهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الْحَقِّ الْمُبِينِ، بِزَخَارِفِ السَّحَرَةِ وَالْمُشَعْبِذِينَ، فَانْعَكَسَ عَلَيْهِ النِّظَامُ وَلَمْ يحصل له من ذَلِكَ الْمَرَامُ، وَظَهَرَتِ الْبَرَاهِينُ الْإِلَهِيَّةُ فِي ذَلِكَ المحفل العام وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ [الشعراء: ٤٦- ٤٨] فظن فرعون أنه يستنصر بالسحار، على رسول الله عَالِمِ الْأَسْرَارِ فَخَابَ وَخَسِرَ الْجَنَّةَ وَاسْتَوْجَبَ النَّارَ قالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ

وإنما قال لهم ذلك لأنهم لما اصْطُفُوا وَقَدْ وُعِدُوا مِنْ فِرْعَوْنَ بِالتَّقْرِيبِ وَالْعَطَاءِ الجزيل قالُوا يَا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى قالَ بَلْ أَلْقُوا [طه: ٦٥- ٦٦] فَأَرَادَ مُوسَى أَنْ تَكُونَ الْبَدَاءَةُ مِنْهُمْ لِيَرَى النَّاسُ مَا صَنَعُوا ثُمَّ يَأْتِي بِالْحَقِّ بَعْدَهُ فَيَدْمَغُ بَاطِلَهُمْ.

وَلِهَذَا لَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ [الْأَعْرَافِ: ١١٦] فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى قُلْنا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى [طه: ٦٧- ٦٩] فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ مُوسَى لَمَّا أَلْقَوْا: مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارِ بْنِ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَعْنِي الدَّشْتَكِيَّ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنْ لَيْثٍ وَهُوَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ شِفَاءٌ مِنَ السِّحْرِ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى تُقْرَأُ فِي إِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِ الْمَسْحُورِ

<<  <  ج: ص:  >  >>