للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التقية والمصانعة، ولهذا قال تعالى: ﴿يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً﴾ أي لا يقدر أحد أن يرد ما أراده الله فيكم تعالى وتقدس، وهو العليم بسرائركم وضمائركم وإن صانعتمونا ونافقتمونا، ولهذا قال تعالى: ﴿بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً﴾.

ثم قال تعالى: ﴿بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً﴾ أي لم يكن تخلفكم تخلف معذور ولا عاص بل تخلف نفاق ﴿بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً﴾ أي اعتقدتم أنهم يقتلون وتستأصل شأفتهم، وتستباد خضراؤهم ولا يرجع منهم مخبر ﴿وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً﴾ أي هلكى، قاله ابن عباس ومجاهد وغير واحد، وقال قتادة: فاسدين (١)، وقيل هي بلغة عمان. ثم قال تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ﴾ أي من لم يخلص العمل في الظاهر والباطن لله فإن الله تعالى سيعذبه في السعير، وإن أظهر للناس ما يعتقدون خلاف ما هو عليه في نفس الأمر. ثم بين تعالى أنه الحاكم المالك المتصرف في أهل السموات والأرض ﴿يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾ أي لمن تاب إليه وأناب وخضع لديه.

[[سورة الفتح (٤٨): آية ١٥]]

﴿سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا اِنْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلاّ قَلِيلاً (١٥)

يقول تعالى مخبرا عن الأعراب الذين تخلفوا عن رسول الله في غزوة الحديبية، إذ ذهب النبي وأصحابه إلى خيبر يفتتحونها أنهم يسألون أن يخرجوا معهم إلى المغنم، وقد تخلفوا عن وقت محاربة الأعداء ومجالدتهم ومصابرتهم، فأمر الله تعالى رسوله أن لا يأذن لهم في ذلك معاقبة لهم من جنس ذنبهم فإن الله تعالى قد وعد أهل الحديبية بمغانم خيبر وحدهم، لا يشاركهم فيها غيرهم من الأعراب المتخلفين، فلا يقع غير ذلك شرعا ولا قدرا ولهذا قال تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ﴾ قال مجاهد وقتادة وجويبر وهو الوعد الذي وعد به أهل الحديبية واختاره ابن جرير (٢).

وقال ابن زيد هو قوله تعالى: ﴿فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ﴾ [التوبة: ٨٣] وهذا الذي قاله ابن زيد فيه نظر، لأن هذه الآية التي في براءة نزلت في غزوة تبوك وهي متأخرة عن غزوة الحديبية، وقال ابن جريج ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ﴾ يعني بتثبيطهم


(١) تفسير الطبري ١١/ ٢٤١.
(٢) تفسير الطبري ١١/ ٣٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>