للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

َيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا

أَيْ أَقْرَرْنَا أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ بَلَّغُونَا رِسَالَاتِكَ وَأَنْذَرُونَا لِقَاءَكَ، وَأَنَّ هَذَا الْيَوْمَ كائن لا محالة، وقال تعالى: غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا

أَيْ وَقَدْ فَرَّطُوا فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا، وَهَلَكُوا بِتَكْذِيبِهِمُ الرُّسُلَ وَمُخَالَفَتِهِمْ لِلْمُعْجِزَاتِ، لِمَا اغْتَرُّوا بِهِ مِنْ زُخْرُفِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا وشهواتها، شَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ

أي يوم القيامةنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ

أَيْ فِي الدُّنْيَا، بِمَا جَاءَتْهُمْ به الرسل صلوات الله وسلامه عليهم.

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٣١ الى ١٣٢]

ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ (١٣١) وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٣٢)

يَقُولُ تَعَالَى: ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ أَيْ إِنَّمَا أَعْذَرْنَا إِلَى الثقلين بإرسال الرسل وإنزال الكتب، لئلا يؤاخذ أَحَدٌ بِظُلْمِهِ وَهُوَ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةٌ، وَلَكِنْ أَعْذَرْنَا إِلَى الْأُمَمِ، وَمَا عَذَّبْنَا أَحَدًا إِلَّا بَعْدَ إِرْسَالِ الرُّسُلِ إِلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ [فَاطِرَ: ٢٤] وَقَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النَّحْلِ: ٣٦] كَقَوْلِهِ وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الْإِسْرَاءِ: ١٥] وَقَالَ تَعَالَى: كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا [الْمُلْكِ: ٨- ٩] وَالْآيَاتُ فِي هذا كثيرة.

قال الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ: وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: بِظُلْمٍ وَجْهَيْنِ [أَحَدَهُمَا] ذلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ أهلها بالشرك ونحوه وهم غافلون، ويقول: إن لَمْ يَكُنْ يُعَاجِلُهُمْ بِالْعُقُوبَةِ حَتَّى يَبْعَثَ إِلَيْهِمْ رسولا ينبههم على حجج الله عليهم، ينذرهم عَذَابَ اللَّهِ يَوْمَ مَعَادِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ بِالَّذِي يُؤَاخِذُهُمْ غَفْلَةً، فَيَقُولُوا: مَا جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ [المائدة: ١٩] [والوجه الثاني] ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ يَقُولُ:

لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ لِيُهْلِكَهُمْ دُونَ التَّنْبِيهِ وَالتَّذْكِيرِ بِالرُّسُلِ وَالْآيَاتِ وَالْعِبَرِ فَيَظْلِمَهُمْ بِذَلِكَ، وَاللَّهُ غَيْرُ ظَلَّامٍ لِعَبِيدِهِ، ثُمَّ شَرَعَ يُرَجِّحُ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَقْوَى، وَاللَّهُ أعلم.

قال: وقوله تعالى: وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا أَيْ وَلِكُلِّ عَامِلٍ في طاعة الله أو معصيته مراتب ومنازل مِنْ عَمَلِهِ، يُبَلِّغُهُ اللَّهُ إِيَّاهَا وَيُثِيبُهُ بِهَا، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًا فَشَرٌّ، (قُلْتُ) وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ قَوْلُهُ وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا أَيْ مِنْ كَافِرِي الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، أَيْ ولكل درجة في النار بحسبه، كقوله قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ [الْأَعْرَافِ: ٣٨] وَقَوْلُهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ [النَّحْلِ: ٨٨] وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: أَيْ وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِهِمْ يَا مُحَمَّدُ بِعِلْمٍ مِنْ رَبِّكَ، يُحْصِيهَا وَيُثْبِتُهَا لَهُمْ عِنْدَهُ، لِيُجَازِيَهُمْ عَلَيْهَا عِنْدَ لِقَائِهِمْ إياه ومعادهم إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>