للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة لقمان (٣١): الآيات ٨ إلى ٩]]

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهُمْ جَنّاتُ النَّعِيمِ (٨) خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩)

هذا ذكر مآل الأبرار من السعداء في الدار الآخرة، الذين آمنوا بالله وصدقوا المرسلين، وعملوا الأعمال الصالحة التابعة لشريعة الله ﴿لَهُمْ جَنّاتُ النَّعِيمِ﴾ أي يتنعمون فيها بأنواع الملاذ والمسار من المآكل والمشارب والملابس والمساكن والمراكب والنساء والنضرة والسماع، الذي لم يخطر ببال أحد وهم في ذلك مقيمون دائما فيها، لا يظعنون دائما ولا يبغون عنها حولا. وقوله تعالى: ﴿وَعْدَ اللهِ حَقًّا﴾ أي هذا كائن لا محالة لأنه من وعد الله، والله لا يخلف الميعاد، لأنه الكريم المنان الفعال لما يشاء القادر على كل شيء ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ الذي قد قهر كل شيء ودان له كل شيء ﴿الْحَكِيمُ﴾ في أقواله وأفعاله، الذي جعل القرآن هدى للمؤمنين ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى﴾ [فصلت:٤٤] الآية. وقوله ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظّالِمِينَ إِلاّ خَساراً﴾ [الإسراء: ٨٢].

[[سورة لقمان (٣١): الآيات ١٠ إلى ١١]]

﴿خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (١٠) هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (١١)

يبين سبحانه بهذا قدرته العظيمة على خلق السموات والأرض، وما فيهما وما بينهما، فقال تعالى: ﴿خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ﴾ قال الحسن وقتادة: ليس لها عمد مرئية ولا غير مرئية.

وقال ابن عباس وعكرمة ومجاهد، لها عمد لا ترونها، وقد تقدم تقرير هذه المسألة في أول سورة الرعد بما أغنى عن إعادته، ﴿وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ﴾ يعني الجبال أرست الأرض وثقلتها لئلا تضطرب بأهلها على وجه الماء، ولهذا قال ﴿أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ أي لئلا تميد بكم.

وقوله تعالى: ﴿وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ﴾ أي وذرأ فيها من أصناف الحيوانات مما لا يعلم عدد أشكالها وألوانها إلا الذي خلقها، ولما قرر سبحانه أنه الخالق نبه على أنه الرازق بقوله ﴿وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ﴾ أي من كل زوج من النبات كريم، أي حسن المنظر. وقال الشعبي: والناس أيضا من نبات الأرض، فمن دخل الجنة فهو كريم، ومن دخل النار فهو لئيم. وقوله تعالى: ﴿هذا خَلْقُ اللهِ﴾ أي هذا الذي ذكره الله تعالى من خلق السموات والأرض وما بينهما صادر عن فعل الله وخلقه وتقديره، وحده لا شريك له في ذلك، ولهذا قال تعالى: ﴿فَأَرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ أي مما تعبدون وتدعون من الأصنام والأنداد ﴿بَلِ الظّالِمُونَ﴾ يعني المشركين بالله العابدين معه غيره ﴿فِي ضَلالٍ﴾ أي جهل وعمى

<<  <  ج: ص:  >  >>