للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليثقل حملها الفئام من الناس لكثرتها. قال الأعمش عن خيثمة: كانت مفاتيح كنوز قارون من جلود، كل مفتاح مثل الإصبع، كل مفتاح على خزانة على حدته، فإذا ركب حملت على ستين بغلا أغر محجلا (١)، وقيل غير ذلك، والله أعلم.

وقوله: ﴿إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ أي وعظه فيما هو فيه صالحو قومه، فقالوا على سبيل النصح والإرشاد: لا تفرح بما أنت فيه، يعنون لا تبطر بما أنت فيه من المال، ﴿إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ قال ابن عباس: يعني المرحين. وقال مجاهد: يعني الأشرين البطرين الذين لا يشكرون الله على ما أعطاهم.

وقوله: ﴿وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا﴾ أي استعمل ما وهبك الله من هذا المال الجزيل والنعمة الطائلة في طاعة ربك والتقرب إليه بأنواع القربات، التي يحصل لك بها الثواب في الدنيا والآخرة ﴿وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا﴾ أي مما أباح الله فيها من المآكل والمشارب والملابس والمساكن والمناكح، فإن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، ولزورك عليك حقا، فآت كل ذي حق حقه ﴿وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ﴾ أي أحسن إلى خلقه، كما أحسن هو إليك ﴿وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ﴾ أي لا تكن همتك بما أنت فيه أن تفسد به في الأرض، وتسيء إلى خلق الله ﴿إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾.

[[سورة القصص (٢٨): آية ٧٨]]

﴿قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (٧٨)

يقول تعالى مخبرا عن جواب قارون لقومه حين نصحوه، وأرشدوه إلى الخير ﴿قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ أي لا أفتقر إلى ما تقولون، فإن الله تعالى إنما أعطاني هذا المال لعلمه بأني أستحقه ولمحبته لي، فتقديره إنما أعطيته لعلم الله فيّ أني أهل له، وهذا كقوله تعالى:

﴿فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ﴾ [الزمر: ٤٩] أي على علم من الله بي، وكقوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنّا مِنْ بَعْدِ ضَرّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي﴾ [فصلت: ٥٠] أي هذا أستحقه.

وقد روي عن بعضهم أنه أراد ﴿إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ أي أنه كان يعاني علم الكيمياء، وهذا القول ضعيف، لأن علم الكيمياء في نفسه علم باطل، لأن قلب الأعيان لا يقدر أحد عليها إلا الله ﷿، قال الله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا النّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ﴾ [الحج: ٧٣]. وفي الصحيح أن رسول الله قال: «يقول الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة،


(١) انظر تفسير الطبري ١٠/ ١٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>