للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رجل استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله، جعل الفراش وهذه الدواب التي يقعن في النار يقعن فيها، وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها-قال-: فذلكم مثلي ومثلكم، أنا آخذ بحجزكم عن النار هلم عن النار، فتغلبوني فتقتحمون فيها» (١) وأخرجاه في الصحيحين أيضا، فهذا مثل ناري.

[[سورة الرعد (١٣): آية ١٨]]

﴿لِلَّذِينَ اِسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٨)

يخبر تعالى عن مآل السعداء والأشقياء فقال: ﴿لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ﴾ أي أطاعوا الله ورسوله، وانقادوا لأوامره، وصدقوا أخباره الماضية والآتية، فلهم ﴿الْحُسْنى﴾ وهو الجزاء الحسن، كقوله تعالى مخبرا عن ذي القرنين أنه قال: ﴿أَمّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً وَأَمّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً﴾ [الكهف: ٨٧ - ٨٨]، وقال تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦].

وقوله: ﴿وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ﴾ أي لم يطيعوا الله، ﴿لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً﴾ أي في الدار الآخرة لو أن يمكنهم أن يفتدوا من عذاب الله بملء الأرض ذهبا ومثله معه لافتدوا به، ولكن لا يقبل منهم، لأنه تعالى لا يقبل منهم يوم القيامة صرفا ولا عدلا ﴿أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ﴾ أي في الدار الآخرة. أي يناقشون على النقير (٢) والقطمير (٣)، والجليل والحقير، ومن نوقش الحساب عذب، ولهذا قال ﴿وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ﴾.

[[سورة الرعد (١٣): آية ١٩]]

﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٩)

يقول تعالى لا يستوي من يعلم من الناس أن الذي ﴿أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ يا محمد ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾ هو الحق الذي لا شك فيه، ولا مرية، ولا لبس فيه، ولا اختلاف فيه، بل هو كله حق يصدق بعضه بعضا، لا يضاد شيء منه شيئا آخر، فأخباره كلها حق، وأوامره ونواهيه عدل، كما قال تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً﴾ [الأنعام: ١١٥] أي صدقا في الإخبار، وعدلا في الطلب، فلا يستوي من تحقق صدق ما جئت به يا محمد، ومن هو أعمى لا يهتدي إلى خير ولا يفهمه، ولو فهمه ما انقاد له ولا صدقه ولا اتبعه كقوله تعالى: ﴿لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ﴾ [الحشر: ٢٠] وقال في هذه الآية الكريمة:

﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى﴾ أي أفهذا كهذا؟ لا استواء.


(١) أخرجه البخاري في الرقاق باب ٦، ومسلم في الفضائل حديث ١٧، ١٩.
(٢) النقير: النكتة التي في النواة.
(٣) القطمير: شق النواة: أي يناقشون في كل الأمور صغيرها وكبيرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>