للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النار بشفاعة الشافعين، من الملائكة والنبيين والمؤمنين، حتى يشفعون في أصحاب الكبائر ثم تأتي رحمة أرحم الراحمين فتخرج من النار من لم يعمل خيرا قط وقال يوما من الدهر لا إله إلا الله كما وردت بذلك الأخبار الصحيحة المستفيضة عن رسول الله بمضمون ذلك من حديث أنس وجابر وأبي سعيد وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة ولا يبقى بعد ذلك في النار إلا من وجب عليه الخلود فيها ولا محيد له عنها، وهذا الذي عليه كثير من العلماء قديما وحديثا في تفسير هذه الآية الكريمة.

وقد روي في تفسيرها عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو وجابر وأبي سعيد من الصحابة، وعن أبي مجلز والشعبي وغيرهما من التابعين، وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وإسحاق بن راهويه وغيرهما من الأئمة في أقوال غريبة وورد حديث غريب في معجم الطبراني الكبير عن أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي ولكن سنده ضعيف والله أعلم. وقال قتادة: الله أعلم بثنياه، وقال السدي هي منسوخة بقوله ﴿خالِدِينَ فِيها أَبَداً﴾.

[[سورة هود (١١): آية ١٠٨]]

﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨)

يقول تعالى: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا﴾ وهم أتباع الرسل ﴿فَفِي الْجَنَّةِ﴾ أي فمأواهم الجنة ﴿خالِدِينَ فِيها﴾ أي ماكثين فيها أبدا ﴿ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ﴾ معنى الاستثناء هاهنا أن دوامهم فيما هم فيه من النعيم ليس أمرا واجبا ذاته بل هو موكول إلى مشيئة الله تعالى فله المنة عليهم دائما ولهذا يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس.

وقال الضحاك والحسن البصري هي في حق عصاة الموحدين الذين كانوا في النار ثم أخرجوا منها وعقب ذلك بقوله ﴿عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ أي غير مقطوع قاله مجاهد وابن عباس وأبو العالية وغير واحد لئلا يتوهم متوهم بعد ذكره المشيئة أن ثم انقطاعا أو لبسا أو شيئا بل حتم له بالدوام وعدم الانقطاع كما بين هناك أن عذاب أهل النار في النار دائما مردود إلى مشيئته وأنه بعدله وحكمته عذبهم ولهذا قال ﴿إِنَّ رَبَّكَ فَعّالٌ لِما يُرِيدُ﴾ كما قال: ﴿لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٣] وهنا طيب القلوب وثبت المقصود بقوله: ﴿عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ وقد جاء في الصحيحين «يؤتى بالموت في صورة كبش أملح فيذبح بين الجنة والنار ثم يقال يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت» (١)، وفي الصحيح أيضا «فيقال يا أهل الجنة إن لكم أن تعيشوا فلا تموتوا أبدا وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا» (٢).


(١) أخرجه البخاري في تفسير سورة ١٩، باب ١، ومسلم في الجنة حديث ٤٠.
(٢) أخرجه مسلم في الجنة حديث ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>