للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحقيقة خطأ بعد الاجتهاد واستفراغ الوسع، فإن الله تعالى قد وضع الحرج في الخطأ ورفع إثمه، كما أرشد إليه في قوله آمرا عباده أن يقولوا ﴿رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا﴾ [البقرة: ٢٨٦] وثبت في صحيح مسلم أن رسول الله قال: «قال الله ﷿: قد فعلت» (١). وفي صحيح البخاري عن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر» (٢). وفي حديث آخر «إن الله رفع عن أمتي الخطأ. والنسيان وما يكرهون عليه» (٣) وقال هاهنا ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾ أي وإنما الإثم على من تعمد الباطل، كما قال ﷿ ﴿لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ﴾ الآية. وفي الحديث المتقدم «ليس من رجل ادعى إلى غير أبيه وهو يعلمه إلا كفر». وفي القرآن المنسوخ: فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم.

قال الإمام أحمد (٤): حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس عن عمر أنه قال: إن الله تعالى بعث محمدا بالحق، وأنزل معه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم، فرجم رسول الله ورجمنا بعده، ثم قال قد كنا نقرأ ولا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم وأن رسول الله قال «لا تطروني كما أطري عيسى ابن مريم فإنما أنا عبد الله، فقولوا عبده ورسوله» وربما قال معمر «كما أطرت النصارى ابن مريم» ورواه في الحديث الآخر «ثلاث في الناس كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت، والاستسقاء بالنجوم» (٥).

[[سورة الأحزاب (٣٣): آية ٦]]

﴿النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلاّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (٦)

قد علم الله تعالى شفقة رسوله على أمته ونصحة لهم، فجعله أولى بهم من أنفسهم، وحكمه فيهم كان مقدما على اختيارهم لأنفسهم، كما قال تعالى: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [النساء:٦٥] وفي الصحيح «والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله


(١) أخرجه مسلم في الإيمان حديث ١٩٩، ٢٠٠.
(٢) أخرجه البخاري في الاعتصام باب ٢٠.
(٣) أخرجه ابن ماجة في الطلاق باب ١٦.
(٤) المسند ١/ ٤٧.
(٥) أخرجه مسلم في الجنائز حديث ٢٩، وأحمد في المسند ٥/ ٣٤٢، ٣٤٣، ٣٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>