للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقبحهم الله، كما قال ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [الرعد: ٣٢] الآية. وقوله تعالى:

﴿إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا﴾ يعنون أنه كاد يثنيهم عن عبادة الأصنام لولا أن صبروا وتجلدوا واستمروا عليها. قال الله تعالى متوعدا لهم ومتهددا ﴿وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ﴾ الآية.

ثم قال تعالى لنبيه منبها أن من كتب الله عليه الشقاوة والضلال، فإنه لا يهديه أحد إلا الله ﷿ ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ﴾ أي مهما استحسن من شيء ورآه حسنا في هوى نفسه كان دينه ومذهبه، كما قال تعالى: ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ﴾ [فاطر: ٨] الآية، ولهذا قال هاهنا ﴿أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً﴾ قال ابن عباس: كان الرجل في الجاهلية يعبد الحجر الأبيض زمانا، فإذا رأى غيره أحسن منه عبد الثاني وترك الأول. ثم قال تعالى: ﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ﴾ الآية، أي هم أسوأ حالا من الأنعام السارحة، فإن تلك تعقل ما خلقت له، وهؤلاء خلقوا لعبادة الله وحده لا شريك له، وهم يعبدون غيره ويشركون به مع قيام الحجة عليهم وإرسال الرسل إليهم.

[[سورة الفرقان (٢٥): الآيات ٤٥ إلى ٤٧]]

﴿أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً (٤٥) ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً (٤٦) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً (٤٧)

من هاهنا شرع في بيان الأدلة الدالة على وجوده وقدرته التامة على خلق الأشياء المختلفة والمتضادة، فقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ﴾ قال ابن عباس وابن عمر وأبو العالية وأبو مالك ومسروق ومجاهد وسعيد بن جبير والنخعي والضحاك والحسن وقتادة والسدي وغيرهم: هو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ﴿وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً﴾ أي دائما لا يزول، كما قال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً﴾ [القصص: ٧١ - ٧٢] الآيات. وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً﴾ أي لولا أن الشمس تطلع عليه لما عرف، فإن الضد لا يعرف إلا بضده، وقال قتادة والسدي: دليلا تتلوه وتتبعه حتى تأتي عليه كله.

وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً﴾ أي الظل. وقيل الشمس ﴿يَسِيراً﴾ أي سهلا، قال ابن عباس: سريعا. وقال مجاهد: خفيا. وقال السدي: قبضا خفيا حتى لا يبقى في الأرض ظل إلا تحت سقف أو تحت شجرة، وقد أظلت الشمس ما فوقه. وقال أيوب بن موسى في الآية ﴿قَبْضاً يَسِيراً﴾ قليلا قليلا. وقوله ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً﴾ أي يلبس الوجود ويغشاه، كما قال تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى﴾ [الشمس: ٤] ﴿وَالنَّوْمَ سُباتاً﴾ أي قاطعا للحركة لراحة الأبدان، فإن الأعضاء والجوارح تكل من كثرة الحركة في الانتشار بالنهار في المعاش، فإذا جاء الليل وسكن، سكنت الحركات فاستراحت، فحصل النوم الذي فيه راحة

<<  <  ج: ص:  >  >>