للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى: ﴿وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ﴾.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عبد الله بن رجاء، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمارة بن عمير وأبي عبد الرحمن السلمي، عن علي ، قال: عمد موسى إلى العجل، فوضع عليه المبارد فبرده بها، وهو على شاطئ نهر، فما شرب أحد من ذلك الماء ممن كان يعبد العجل إلا اصفر وجهه مثل الذهب، وقال سعيد بن جبير ﴿وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ﴾ قال: لما أحرق العجل، برد ثم نسف، فحسوا الماء حتى عادت وجوههم كالزعفران. وحكى القرطبي (١) عن كتاب القشيري: أنه ما شرب أحد «منه» ممن عبد العجل إلا جن، ثم قال القرطبي: وهذا شيء غير ما هاهنا، لأن المقصود من هذا السياق: أنه ظهر على شفاههم ووجوههم، والمذكور هاهنا: أنهم أشربوا في قلوبهم العجل، يعني في حال عبادتهم له، ثم أنشد قول النابغة (٢) في زوجته عثمة: [الوافر] تغلغل حب عثمة في فؤادي … فباديه مع الخافي يسير

تغلغل حيث لم يبلغ شراب … ولا حزن ولم يبلغ سرور

أكاد إذ ذكرت العهد منها … أطير لو أن إنسانا يطير (٣)

وقوله ﴿قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ أي بئسما تعتمدونه في قديم الدهر وحديثه من كفركم بآيات الله، ومخالفتكم الأنبياء ثم اعتمادكم في كفركم بمحمد وهذا أكبر ذنوبكم وأشد الأمر عليكم إذ كفرتم بخاتم الرسل وسيد الأنبياء والمرسلين، المبعوث إلى الناس أجمعين، فكيف تدّعون لأنفسكم الإيمان، وقد فعلتم هذه الأفاعيل القبيحة: من نقضكم المواثيق، وكفركم بآيات الله، وعبادتكم العجل من دون الله؟.

[[سورة البقرة (٢): الآيات ٩٤ إلى ٩٦]]

﴿قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٩٤) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمِينَ (٩٥) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (٩٦)

قال محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس : يقول الله تعالى لنبيه محمد : ﴿قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ أي ادعوا بالموت على أي الفريقين


(١) تفسير القرطبي ٢/ ٣٢.
(٢) لم ينسب القرطبي هذه الأبيات إلى النابغة، وإنما إلى «أحد التابعين الذي قال في زوجته عثمة».
(٣) الأبيات منسوبة إلى أحد التابعين في القرطبي ٢/ ٣٢؛ وإلى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة في لسان العرب (غلل)؛ وتاج العروس (غلل)؛ وبلا نسبة في لسان العرب (معع)

<<  <  ج: ص:  >  >>