للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أكذب، فأبوا ذلك على رسول الله ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ، وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمِينَ﴾ أي بعلمهم بما عندهم من العلم بك والكفر بذلك [فيقال] (١) لو تمنوه يوم قال لهم ذلك ما بقي على الأرض يهودي إلا مات. وقال الضحاك عن ابن عباس: فتمنوا الموت فسلوا الموت. وقال عبد الرزاق عن معمر عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة قوله: فتمنوا الموت إن كنتم صادقين. قال: قال ابن عباس: لو تمنى يهود الموت، لماتوا. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا علي بن محمد الطنافسي، حدثنا عثام: سمعت الأعمش قال: لا أظنه إلا عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لو تمنوا الموت لشرق أحدهم بريقه، وهذه أسانيد صحيحة إلى ابن عباس.

وقال ابن جرير (٢) في تفسيره: وبلغنا أن النبي ، قال «لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا، ولرأوا مقاعدهم من النار ولو خرج الذين يباهلون رسول الله لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا»، حدثنا (٣) بذلك أبو كريب، حدثنا زكريا بن عدي، حدثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن رسول الله . ورواه الإمام أحمد عن إسماعيل بن يزيد الرقي، حدثنا فرات عن عبد الكريم به. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن أحمد، حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن بشار، حدثنا سرور بن المغيرة، عن عباد بن منصور، عن الحسن، قال: قول الله: ما كانوا ليتمنوه بما قدمت أيديهم، قلت: أرأيتك لو أنهم أحبوا الموت حين قيل لهم تمنوا الموت أتراهم كانوا ميتين؟ قال: لا والله ما كانوا ليموتوا ولو تمنوا الموت، وما كانوا ليتمنوه، وقد قال الله ما سمعت ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمِينَ﴾ وهذا غريب عن الحسن. ثم هذا الذي فسر به ابن عباس الآية، هو المتعين وهو الدعاء على أي الفريقين أكذب منهم أو من المسلمين على وجه المباهلة، ونقله ابن جرير عن قتادة وأبي العالية والربيع بن أنس رحمهم الله تعالى.

ونظير هذه الآية قوله تعالى في سورة الجمعة ﴿قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلّهِ مِنْ دُونِ النّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمِينَ. قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الجمعة: ٦: ٧: ٨] فهم عليهم لعائن الله تعالى، لما زعموا أنهم أبناء الله وأحباؤه، قالوا: لن يدخل الجنة إلا من كانوا يهودا أو نصارى، دعوا إلى المباهلة والدعاء على أكذب الطائفتين منهم أو من المسلمين، لما نكلوا عن ذلك، علم كل أحد أنهم ظالمون، لأنهم لو كانوا جازمين بما هم فيه، لكانوا أقدموا على ذلك، فلما تأخروا، علم كذبهم


(١) الزيادة من سيرة ابن هشام ١/ ٥٤٢.
(٢) تفسير الطبري ١/ ٤٦٩.
(٣) هذا إسناد ابن جرير الطبري.

<<  <  ج: ص:  >  >>