للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التدليس، بل هو خبير بضمائر عباده وإن أظهروا خلافها. ثم قال تعالى: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ أي اتبعوا كتاب الله وسنة رسوله.

وقوله تعالى: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ أي تتولوا عنه وتتركوا ما جاءكم به ﴿فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ﴾ أي إبلاغ الرسالة وأداء الأمانة ﴿وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ﴾ أي بقبول ذلك وتعظيمه والقيام بمقتضاه ﴿وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا﴾ وذلك لأنه يدعو إلى صراط مستقيم ﴿صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ﴾ [الشورى: ٥٣] الآية. وقوله تعالى: ﴿وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ﴾ كقوله تعالى: ﴿فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ﴾ [الرعد: ٤٠]. وقوله ﴿فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾ [الغاشية: ٢١ - ٢٢].

قال وهب بن منبه: أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له شعياء أن قم في بني إسرائيل، فإني سأطلق لسانك بوحي، فقام فقال: يا سماء اسمعي ويا أرض أنصتي، فإن الله يريد أن يقضي شأنا ويدبر أمرا هو منفذه، إنه يريد أن يحول الريف إلى الفلاة، والآجام (١) في الغيطان (٢)، والأنهار في الصحارى، والنعمة في الفقراء، والملك في الرعاة، ويريد أن يبعث أميا من الأميين ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، لو يمر على السراج لم يطفئه من سكينته، ولو يمشي على القصب اليابس لم يسمع من تحت قدميه، أبعثه مبشرا ونذيرا، لا يقول الخنا (٣)، أفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا، وأسدده لكل أمر جميل، وأهب له كل خلق كريم، وأجعل السكينة لباسه، والبر شعاره، والتقوى ضميره، والحكمة منطقه، والصدق والوفاء طبيعته، والعفو والمعروف خلقه، والحق شريعته، والعدل سيرته، والهدى إمامه، والإسلام ملته، وأحمد اسمه، أهدي به بعد الضلالة، وأعلم به من الجهالة، وأرفع به بعد الخمالة، وأعرف به بعد النكرة، وأكثر به القلة، وأغني به بعد العيلة، وأجمع به بعد الفرقة، وأؤلف به بين أمم متفرقة، وقلوب مختلفة، وأهواء مشتتة، وأستنقذ به فئاما من الناس عظيما من الهلكة، وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، موحدين مؤمنين مخلصين مصدقين بما جاءت به رسلي، رواه ابن أبي حاتم.

[[سورة النور (٢٤): آية ٥٥]]

﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اِسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي اِرْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٥٥)

هذا وعد من الله تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض،


(١) الآجام، جمع أجمة: وهي الشجر الكثيف الملتف.
(٢) الغيطان: هي الأرض المنبتة.
(٣) الخنا: الفحش في القول.

<<  <  ج: ص:  >  >>