للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما قال جل وعلا: ﴿وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النّارِ فَقالُوا: يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ﴾ [الأنعام: ٢٧ - ٢٨]. وقوله ﷿: ﴿وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها﴾ أي على النار ﴿خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ﴾ أي الذي قد اعتراهم بما أسلفوا من عصيان الله تعالى ﴿يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ﴾ قال مجاهد: يعني ذليل أي ينظرون إليها مسارقة خوفا منها والذي يحذرون منه واقع بهم لا محالة، وما هو أعظم مما في نفوسهم، أجارنا الله من ذلك.

﴿وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أي يقولون يوم القيامة ﴿إِنَّ الْخاسِرِينَ﴾ أي الخسار الأكبر ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾ أي ذهب بهم إلى النار فعدموا لذتهم في دار الأبد وخسروا أنفسهم، وفرق بينهم وبين أحبابهم وأصحابهم وأهاليهم وقراباتهم فخسروهم ﴿أَلا إِنَّ الظّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ﴾ أي دائم سرمدي أبدي لا خروج لهم منها ولا محيد لهم عنها.

وقوله تعالى: ﴿وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ﴾ أي ينقذونهم مما هم فيه من العذاب والنكال ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ﴾ أي ليس له خلاص.

[[سورة الشورى (٤٢): الآيات ٤٧ إلى ٤٨]]

﴿اِسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (٤٧) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ وَإِنّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (٤٨)

لما ذكر تعالى ما يكون في يوم القيامة من الأهوال والأمور العظام الهائلة، حذر منه وأمر بالاستعداد له، فقال: ﴿اِسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ﴾ أي إذا أمر بكونه فإنه كلمح البصر يكون، وليس له دافع ولا مانع. وقوله ﷿: ﴿ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ﴾ أي ليس لكم حصن تتحصنون فيه ولا مكان يستركم وتتنكرون فيه فتغيبون عن بصره ، بل هو محيط بكم بعلمه وبصره وقدرته، فلا ملجأ منه إلا إليه ﴿يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ كَلاّ لا وَزَرَ إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ﴾ [القيامة: ١٠ - ١٢] وقوله تعالى:

﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا﴾ يعني المشركين ﴿فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً﴾ أي لست عليهم بمسيطر، وقال ﷿: ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ﴾ [البقرة: ٢٧٢] وقال تعالى: ﴿فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ﴾ [الرعد: ٤٠] وقال جل وعلا هاهنا: ﴿إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ﴾ أي إنما كلفناك أن تبلغهم رسالة الله إليهم.

ثم قال : ﴿وَإِنّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها﴾ أي إذا أصابه رخاء ونعمة فرح بذلك ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ﴾ يعني الناس ﴿سَيِّئَةٌ﴾ أي جدب وبلاء وشدة ﴿فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ﴾ أي يجحد ما تقدم من النعمة ولا يعرف إلا الساعة الراهنة، فإن أصابته نعمة أشر وبطر، وإن أصابته محنة يئس وقنط، كما قال رسول الله للنساء: «يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن

<<  <  ج: ص:  >  >>