للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلم عالم إلا وهو شاب، وتلا هذه الآية ﴿قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ﴾.

وقوله ﴿قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النّاسِ﴾ أي على رؤوس الأشهاد في الملأ الأكبر بحضرة الناس كلهم، وكان هذا هو المقصود الأكبر لإبراهيم أن يبين في هذا المحفل العظيم كثرة جهلهم وقلة عقلهم في عبادة هذه الأصنام. التي لا تدفع عن نفسها ضرا، ولا تملك لها نصرا، فكيف يطلب منها شيء من ذلك؟ ﴿قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا﴾ يعني الذي تركه لم يكسره ﴿فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ﴾ وإنما أراد بهذا أن يبادروا من تلقاء أنفسهم فيعترفوا أنهم لا ينطقون، وأن هذا لا يصدر عن هذا الصنم لأنه جماد.

وفي الصحيحين من حديث هشام بن حسان عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: «إن إبراهيم لم يكذب غير ثلاث: ثنتين في ذات الله قوله:

﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا﴾، وقوله: ﴿إِنِّي سَقِيمٌ﴾ -قال-وبينا هو يسير في أرض جبار من الجبابرة ومعه سارة، إذ نزل منزلا فأتى الجبار رجل فقال: إنه قد نزل هاهنا رجل بأرضك معه امرأة أحسن الناس، فأرسل إليه فجاء، فقال: ما هذه المرأة منك؟ قال: أختي. قال: فاذهب فأرسل بها إلي، فانطلق إلى سارة فقال: إن هذا الجبار قد سألني عنك، فأخبرته أنك أختي، فلا تكذبيني عنده، فإنك أختي في كتاب الله، وإنه ليس في الأرض مسلم غيري وغيرك، فانطلق بها إبراهيم ثم قام يصلي، فلما أن دخلت عليه فرآها أهوى إليها فتناولها فأخذ أخذا شديدا، فقال: ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت له، فأرسل فأهوى إليها، فتناولها فأخذ بمثلها أو أشد، ففعل ذلك الثالثة، فأخذ فذكر مثل المرتين الأوليين، فقال: ادعي الله فلا أضرك، فدعت له فأرسل، ثم دعا أدنى حجابه فقال: إنك لم تأتني بإنسان، ولكنك أتيتني بشيطان، أخرجها وأعطها هاجر. فأخرجت وأعطيت هاجر فأقبلت، فلما أحس إبراهيم بمجيئها، انفتل من صلاته، وقال: مهيم. قالت: كفى الله كيد الكافر الفاجر وأخدمني هاجر». قال محمد بن سيرين: فكان أبو هريرة إذا حدث بهذا الحديث قال: تلك أمكم يا بني ماء السماء (١).

[[سورة الأنبياء (٢١): الآيات ٦٤ إلى ٦٧]]

﴿فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظّالِمُونَ (٦٤) ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ (٦٥) قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ (٦٦) أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٧)

يقول تعالى مخبرا عن قوم إبراهيم حين قال لهم ما قال ﴿فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ﴾ أي بالملامة في عدم احترازهم وحراستهم لآلهتهم، فقالوا: ﴿إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظّالِمُونَ﴾ أي في ترككم لها مهملة لا حافظ عندها، ﴿ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ﴾ أي ثم أطرقوا في الأرض فقالوا:


(١) أخرجه البخاري في الأنبياء باب ٨، والنكاح باب ١٢، ومسلم في الفضائل حديث ١٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>