للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي ما أجابوا لوطا إلا أن هموا بإخراجه ونفيه ومن معه من بين أظهرهم، فأخرجه الله تعالى سالما وأهلكهم في أرضهم صاغرين مهانين، وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ قال قتادة:

عابوهم بغير عيب (١)، وقال مجاهد: إنهم أناس يتطهرون من أدبار الرجال وأدبار النساء.

وروي مثله عن ابن عباس أيضا (٢).

[[سورة الأعراف (٧): الآيات ٨٣ إلى ٨٤]]

﴿فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ اِمْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٨٣) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٨٤)

يقول تعالى فأنجينا لوطا وأهله ولم يؤمن به أحد منهم سوى أهل بيته فقط، كما قال تعالى: ﴿فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الذاريات: ٣٥ - ٣٦] إلا امرأته فإنها لم تؤمن به، بل كانت على دين قومها تمالئهم عليه وتعلمهم بمن يقدم عليه من ضيفانه بإشارات بينها وبينهم، ولهذا لما أمر لوط ليسري بأهله أمر أن لا يعلمها ولا يخرجها من البلد، ومنهم من يقول: بل اتبعتهم فلما جاء العذاب التفتت هي فأصابها ما أصابهم، والأظهر أنها لم تخرج من البلد ولا أعلمها لوط بل بقيت معهم، ولهذا قال هاهنا ﴿إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ﴾ أي الباقين، وقيل من الهالكين وهو تفسير باللازم.

وقوله ﴿وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً﴾ مفسر بقوله ﴿وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ [هود: ٨٢ - ٨٣] ولهذا قال ﴿فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ﴾ أي انظر يا محمد كيف كان عاقبة من يجترئ على معاصي الله ﷿ ويكذب رسله.

وقد ذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن اللائط يلقى من شاهق ويتبع بالحجارة كما فعل بقوم لوط، وذهب آخرون من العلماء إلى أنه يرجم سواء كان محصنا أو غير محصن وهو أحد قولي الشافعي والحجة ما رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة من حديث الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو بن أبي عمر عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله : «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به» (٣) وقال آخرون هو كالزاني فإن كان محصنا رجم، وإن لم يكن محصنا جلد مائة جلدة، وهو القول الآخر للشافعي، وأما إتيان النساء في الأدبار فهو اللوطية الصغرى، وهو حرام بإجماع العلماء إلا قولا شاذا لبعض السلف، وقد ورد في النهي عنه أحاديث كثيرة عن رسول الله وقد تقدم


(١) انظر تفسير الطبري ٥/ ٥٤١.
(٢) تفسير الطبري ٥/ ٥٤١.
(٣) أخرجه الترمذي في الحدود باب ٢٤، وابن ماجة في الحدود باب ١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>