للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الثاني] أنه لم يذكر أنه كان ذا مال بل كان نجارا يأكل من كسب يديه، ومثل هذا لا يجمع مالا ولا سيما الأنبياء، فإنهم كانوا أزهد شيء في الدنيا.

[الثالث] أنه قد ثبت في الصحيحين من غير وجه أن رسول الله قال «لا نورث، ما تركنا فهو صدقة» (١) وفي رواية عند الترمذي بإسناد صحيح «نحن معشر الأنبياء لا نورث» (٢)، وعلى هذا فتعين حمل قوله ﴿فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي﴾ على ميراث النبوة، ولهذا قال ﴿وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ كقوله ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ﴾ [النمل: ١٦] أي في النبوة إذ لو كان في المال لما خصه من بين إخوته بذلك، ولما كان في الإخبار بذلك كبير فائدة، إذ من المعلوم المستقر في جميع الشرائع والملل أن الولد يرث أباه، فلولا أنها وراثة خاصة لما أخبر بها، وكل هذا يقرره ويثبته ما صح في الحديث «نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركنا فهو صدقة».

قال مجاهد في قوله ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ كان وراثته علما، وكان زكريا من ذرية يعقوب، وقال هشيم: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح في قوله ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ قال: يكون نبيا كما كانت آباؤه أنبياء، وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة، عن الحسن يرث نبوته وعلمه، وقال السدي: يرث نبوتي ونبوة آل يعقوب. وعن مالك عن زيد بن أسلم ﴿وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ قال نبوتهم. وقال جابر بن نوح ويزيد بن هارون كلاهما عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح في قوله ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ قال: يرث مالي ويرث من آل يعقوب النبوة، وهذا اختيار ابن جرير في تفسيره.

وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن قتادة أن النبي قال «يرحم الله زكريا وما كان عليه من وراثة ماله، ويرحم الله لوطا إن كان ليأوي إلى ركن شديد». وقال ابن جرير (٣): حدثنا أبو كريب، حدثنا جابر بن نوح عن مبارك هو ابن فضالة، عن الحسن قال: قال رسول الله «رحم الله أخي زكريا ما كان عليه من وراثة ماله حين قال: هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب» وهذه مرسلات لا تعارض الصحاح، والله أعلم. وقوله ﴿وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا﴾ أي مرضيا عندك وعند خلقك، تحبه وتحببه إلى خلقك في دينه وخلقه.

[[سورة مريم (١٩): آية ٧]]

﴿يا زَكَرِيّا إِنّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اِسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (٧)

هذا الكلام يتضمن محذوفا وهو أنه أجيب إلى ما سأل في دعائه، فقيل له: ﴿يا زَكَرِيّا إِنّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى﴾ كما قال تعالى: ﴿هُنالِكَ دَعا زَكَرِيّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى﴾


(١) أخرجه البخاري في الخمس باب ١، ومسلم في الجهاد حديث ٤٩، ٥٢.
(٢) أخرجه الترمذي في السير باب ٤٤، وأحمد في المسند ٢/ ٤٦٣.
(٣) تفسير الطبري ٨/ ٣٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>