للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة الكهف (١٨) : آية ٥١]]

مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (٥١)

يَقُولُ تَعَالَى: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اتَّخَذْتُمُوهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي عَبِيدٌ أَمْثَالُكُمْ لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا، وَلَا أَشْهَدْتُهُمْ خلق السموات وَالْأَرْضِ، وَلَا كَانُوا إِذْ ذَاكَ مَوْجُودِينَ، يَقُولُ تَعَالَى: أَنَا الْمُسْتَقِلُّ بِخَلْقِ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا وَمُدَبِّرُهَا وَمُقَدِّرُهَا وَحْدِي لَيْسَ مَعِي فِي ذَلِكَ شَرِيكٌ وَلَا وَزِيرٌ وَلَا مُشِيرٌ وَلَا نَظِيرٌ، كَمَا قَالَ: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ [سَبَأٍ: ٢٢- ٢٣] الآية، وَلِهَذَا قَالَ: وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً قال مالك: أعوانا.

[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٥٢ الى ٥٣]

وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً (٥٢) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (٥٣)

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَمَّا يُخَاطِبُ به المشركين يوم القيامة على رؤوس الْأَشْهَادِ تَقْرِيعًا لَهُمْ وَتَوْبِيخًا نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَيْ فِي دَارِ الدُّنْيَا ادْعُوهُمُ الْيَوْمَ ينقذوكم مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ [الْأَنْعَامِ: ٩٤] وَقَوْلُهُ: فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ كَمَا قَالَ: وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ [القصص: ٦٤] الآية، وقال: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ [الأحقاف: ٥- ٦] الآيتين، وَقَالَ تَعَالَى: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا [مَرْيَمَ: ٨١- ٨٢] وَقَوْلُهُ:

وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: مَهْلَكًا، وقال قتادة: ذكر لنا أن عمر البكائي حَدَّثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: هُوَ وَادٍ عَمِيقٌ فُرِّقَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ أَهْلِ الْهُدَى وَأَهْلِ الضَّلَالَةِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: مَوْبِقًا وَادِيًا فِي جَهَنَّمَ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «١» : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ دِرْهَمٍ، سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً قَالَ: وَادٍ فِي جَهَنَّمَ مِنْ قَيْحٍ وَدَمٍ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: مَوْبِقًا عَدَاوَةً، وَالظَّاهِرُ مِنَ السِّيَاقِ هَاهُنَا أَنَّهُ الْمَهْلَكُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَادِيًا فِي جَهَنَّمَ أَوْ غيره، والمعنى أن الله تعالى بين أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَلَا وُصُولَ لَهُمْ إِلَى آلِهَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَزْعُمُونَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا فِي الْآخِرَةِ، فَلَا خَلَاصَ لِأَحَدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ إِلَى الْآخَرِ، بَلْ بَيْنَهُمَا مَهْلَكٌ وَهَوْلٌ عَظِيمٌ وَأَمْرٌ كَبِيرٌ. وَأَمَّا إِنْ جَعَلَ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ بَيْنَهُمْ عَائِدًا إِلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ كَمَا قَالَ عَبْدُ الله بن


(١) تفسير الطبري ٨/ ٢٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>