للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة طه (٢٠) : الآيات ٨٠ الى ٨٢]

يَا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى (٨٠) كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (٨١) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (٨٢)

يَذْكُرُ تَعَالَى نِعَمَهُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ الْعِظَامَ وَمِنَنَهُ الْجِسَامَ، حَيْثُ أنجاهم مِنْ عَدُوِّهِمْ فِرْعَوْنَ، وَأَقَرَّ أَعْيُنَهُمْ مِنْهُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَإِلَى جُنْدِهِ قَدْ غَرِقُوا فِي صَبِيحَةٍ وَاحِدَةٍ، لَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، كَمَا قال: وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ [الْبَقَرَةِ: ٥٠] وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عباس قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم المدينة، وجد اليهود تَصُومُ عَاشُورَاءَ، فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا:

هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي أَظْفَرَ اللَّهُ فِيهِ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ، فَقَالَ: «نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى فَصُومُوهُ» «١» رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا فِي صَحِيحِهِ.

ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى وَاعَدَ مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ هَلَاكِ فِرْعَوْنَ إِلَى جَانِبِ الطور الأيمن، وهو الذي كلمه الله تَعَالَى عَلَيْهِ، وَسَأَلَ فِيهِ الرُّؤْيَةَ، وَأَعْطَاهُ التَّوْرَاةَ هنالك، وَفِي غُضُونِ ذَلِكَ عَبَدَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الْعِجْلَ كما يقصه الله تَعَالَى قَرِيبًا، وَأَمَّا الْمَنُّ وَالسَّلْوَى فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَغَيْرِهَا «٢» ، فالمن حلوى كانت تنزل عليهم مِنَ السَّمَاءِ، وَالسَّلْوَى طَائِرٌ يَسْقُطُ عَلَيْهِمْ فَيَأْخُذُونَ مِنْ كُلٍّ قَدْرَ الْحَاجَةِ إِلَى الْغَدِ، لُطْفًا مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةً بِهِمْ وَإِحْسَانًا إِلَيْهِمْ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي أَيْ كُلُوا مِنْ هَذَا الرِّزْقِ الَّذِي رَزَقْتُكُمْ، وَلَا تَطْغَوْا فِي رِزْقِي فَتَأْخُذُوهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، وتخالفوا ما أمرتكم بِهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي أَيْ أَغْضَبُ عَلَيْكُمْ وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أي فقد شقي. وقال شفي بن مانع: إِنَّ فِي جَهَنَّمَ قَصْرًا يُرْمَى الْكَافِرُ مِنْ أَعْلَاهُ، فَيَهْوِي فِي جَهَنَّمَ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الصَّلْصَالَ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.

وَقَوْلُهُ: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً أَيْ كُلُّ مَنْ تَابَ إِلَيَّ، تُبْتُ عَلَيْهِ مِنْ أَيِّ ذَنْبٍ كَانَ، حَتَّى أنه تاب تعالى عَلَى مَنْ عَبَدَ الْعِجْلَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وقوله تعالى: تابَ أَيْ رَجَعَ عَمَّا كَانَ فِيهِ مِنْ كفر أو شرك أو معصية أو نفاق. وَقَوْلُهُ: وَآمَنَ أَيْ بِقَلْبِهِ. وَعَمِلَ صالِحاً أَيْ بِجَوَارِحِهِ. وَقَوْلُهُ: ثُمَّ اهْتَدى قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَيْ ثُمَّ لَمْ يُشَكِّكْ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ثُمَّ اهْتَدى أَيِ اسْتَقَامَ عَلَى السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَرُوِيَ نحوه عن


(١) أخرجه البخاري في تفسير سورة ٢٠، باب ٢، ومسلم في الصيام حديث ١٢٧، ١٢٨.
(٢) في تفسير الآية ٥٧ من سورة البقرة، والآية ١٦٠ من سورة الأعراف.

<<  <  ج: ص:  >  >>