للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عمى الجهل والضلال كما تقدم من رواية الإمام أحمد وأبي داود عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله «حبك الشيء يعمي ويصم» (١) وقوله ﴿وَلَمّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ﴾ أي ندموا على ما فعلوا ﴿وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا﴾ وقرأ بعضهم «لئن لم ترحمنا» بالتاء المثناة من فوق «ربنا» منادى «وتغفر لنا لنكونن من الخاسرين» أي من الهالكين وهذا اعتراف منهم بذنبهم والتجاء إلى الله ﷿.

[[سورة الأعراف (٧): الآيات ١٥٠ إلى ١٥١]]

﴿وَلَمّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ اِبْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اِسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ (١٥٠) قالَ رَبِّ اِغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ (١٥١)

يخبر تعالى أن موسى لما رجع إلى قومه من مناجاة ربه تعالى وهو غضبان أسف قال أبو الدرداء: الأسف أشد الغضب (٢). ﴿قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي﴾ يقول بئس ما صنعتم في عبادة العجل بعد أن ذهبت وتركتكم، وقوله ﴿أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ﴾ يقول استعجلتم مجيئي إليكم وهو مقدر من الله تعالى. وقوله ﴿وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ﴾ قيل كانت الألواح من زمرد وقيل من ياقوت وقيل من برد وفي هذا دلالة على ما جاء في الحديث: «ليس الخبر كالمعاينة» (٣) ثم ظاهر السياق أنه إنما ألقى الألواح غضبا على قومه، وهذا قول جمهور العلماء سلفا وخلفا. وروى ابن جرير عن قتادة في هذا قولا غريبا لا يصح إسناده إلى حكاية قتادة وقد رده ابن عطية وغير واحد من العلماء وهو جدير بالرد وكأنه تلقاه قتادة عن بعض أهل الكتاب وفيهم كذابون ووضاعون وأفاكون وزنادقة.

وقوله ﴿وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ﴾ خوفا أن يكون قد قصر في نهيهم كما قال في الآية الأخرى ﴿قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلاّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾ [طه: ٩٢ - ٩٤] وقال هاهنا ﴿اِبْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ﴾ أي لا تسوقني سياقهم وتجعلني معهم وإنما قال: ابن أم ليكون أرق وأنجع عنده وإلا فهو شقيقه لأبيه وأمه فلما تحقق موسى براءة ساحة هارون كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي﴾ [طه: ٩٠] فعند ذلك ﴿قالَ﴾ موسى


(١) أخرجه أبو داود في الأدب باب ١١٦، وأحمد في المسند ٥/ ١٩٤، ٦/ ٤٥٠.
(٢) تفسير الطبري ٦/ ٦٤، ولفظه: الأسف منزلة وراء الغضب، أشد من ذلك.
(٣) أخرجه أحمد في المسند ١/ ٢١٥، ٢٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>