للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصّالِحِينَ﴾ [آل عمران: ٣٨ - ٣٩] وقوله ﴿لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا﴾ قال قتادة وابن جريج وابن زيد: أي لم يسم أحد قبله بهذا الاسم، واختاره ابن جرير .

قال مجاهد ﴿لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا﴾ أي شبيها، وأخذه من معنى قوله ﴿فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم: ٦٥] أي شبيها، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: أي لم تلد العواقر قبله مثله، وهذا دليل على أن زكريا كان لا يولد له، وكذلك امرأته كانت عاقرا من أول عمرها، بخلاف إبراهيم، وسارة ، فإنهما إنما تعجبا من البشارة بإسحاق لكبرهما لا لعقرهما، ولهذا قال ﴿أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ﴾ [الحجر: ٥٤] مع أنه كان قد ولد له قبله إسماعيل بثلاث عشرة سنة، وقالت امرأته ﴿يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾ [هود: ٧٢ - ٧٣].

[[سورة مريم (١٩): الآيات ٨ إلى ٩]]

﴿قالَ رَبِّ أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ اِمْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨) قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (٩)

هذا تعجب من زكريا حين أجيب إلى ما سأل وبشر بالولد، ففرح فرحا شديدا، وسأل عن كيفية ما يولد له والوجه الذي يأتيه منه الولد، مع أن امرأته كانت عاقرا لم تلد من أول عمرها مع كبرها، ومع أنه قد كبر وعتا، أي: عسا عظمه ونحل، ولم يبق فيه لقاح ولا جماع، والعرب تقول للعود إذا يبس: عتا يعتو عتيا وعتوا، وعسا يعسو عسوا وعسيا، وقال مجاهد: عتيا يعني نحول العظم، وقال ابن عباس وغيره: عتيا، يعني الكبر، والظاهر أنه أخص من الكبر.

وقال ابن جرير (١): حدثنا يعقوب، حدثنا هشيم، أخبرنا حصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: لقد علمت السنة كلها غير أني لا أدري أكان رسول الله يقرأ في الظهر والعصر أم لا، ولا أدري كيف كان يقرأ هذا الحرف ﴿وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا﴾ أو عسيا، ورواه الإمام أحمد (٢) عن سريج بن النعمان وأبو داود عن زياد بن أيوب كلاهما عن هشيم به، ﴿قالَ﴾ أي الملك مجيبا لزكريا عما استعجب منه ﴿كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾ أي إيجاد الولد منك ومن زوجتك هذه لا من غيرها، ﴿هَيِّنٌ﴾ أي يسير سهل على الله، ثم ذكر له ما هو أعجب مما سأل عنه، فقال ﴿وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً﴾ كما قال تعالى: ﴿هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً﴾ [الإنسان: ١].


(١) تفسير الطبري ٨/ ٣١١.
(٢) المسند ١/ ٢٥٧، ٢٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>