يحيى، حدثنا أبو أسامة قال: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كنت أغار من اللاتي وهبن أنفسهن للنبي ﷺ وأقول: أتهب المرأة نفسها؟ فلما أنزل الله تعالى: ﴿تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ﴾ قلت: ما أرى ربك إلا يسارع في هواك.
وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا محمد بن منصور الجعفي، حدثنا يونس بن بكير عن عنبسة بن الأزهر عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: لم يكن عند رسول الله ﷺ امرأة وهبت نفسها له. ووراه ابن جرير عن أبي كريب عن يونس بن بكير، أي أنه لم يقبل واحدة ممن وهبت نفسها له وإن كان ذلك مباحا له ومخصوصا به، لأنه مردود إلى مشيئته، كما قال الله تعالى: ﴿إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها﴾ أي إن اختار ذلك.
وقوله تعالى: ﴿خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ قال عكرمة أي لا تحل الموهوبة لغيرك، ولو أن امرأة وهبت نفسها لرجل لم تحل له حتى يعطيها شيئا، وكذا قال مجاهد والشعبي وغيرهما، أي أنها إذا فوضت المرأة نفسها إلى رجل فإنه متى دخل بها وجب عليه لها مهر مثلها، كما حكم به رسول الله ﷺ في بروع بنت واشق لما فوضت، فحكم لها رسول الله ﷺ بصداق مثلها لما توفي عنها زوجها، والموت والدخول سواء في تقرير المهر وثبوت مهر المثل في المفوضة لغير النبي ﷺ، فأما هو ﵊ فإنه لا يجب عليه للمفوضة شيء ولو دخل بها، لأن له أن يتزوج بغير صداق ولا ولي، ولا شهود، كما في قصة زينب بنت جحش ﵂، ولهذا قال قتادة في قوله: ﴿خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ يقول: ليس لامرأة تهب نفسها لرجل بغير ولي ولا مهر إلا للنبي ﷺ.
وقوله تعالى: ﴿قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ﴾ قال أبي بن كعب ومجاهد والحسن وقتادة وابن جرير في قوله: ﴿قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ﴾ أي من حصرهم في أربع نسوة حرائر، وما شاؤوا من الإماء واشتراط الولي والمهر والشهود عليهم، وهم الأمة وقد رخصنا لك في ذلك فلم نوجب عليك شيئا منه ﴿لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾.