للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناجي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال: «إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار، يتقاصون مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة، والذي نفسي بيده إن أحدهم بمنزله في الجنة أهدى منه بمنزله الذي كان في الدنيا» (١).

ثم قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ﴾ كقوله ﷿: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ﴾ [الحج: ٤٠] فإن الجزاء من جنس العمل ولهذا قال تعالى:

﴿وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ﴾ كما جاء في الحديث «من بلغ ذا سلطان حاجة من لا يستطيع إبلاغها، ثبت الله تعالى قدميه على الصراط يوم القيامة» ثم قال : ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ﴾ عكس تثبيت الأقدام للمؤمنين الناصرين لله تعالى ولرسوله ، وقد ثبت الحديث عن رسول الله أنه قال: «تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد القطيفة، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش!» (٢) أي فلا شفاه الله ﷿. وقوله : ﴿وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ﴾ أي أحبطها وأبطلها، ولهذا قال: ﴿ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ﴾ أي لا يريدونه ولا يحبونه ﴿فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ﴾.

[[سورة محمد (٤٧): الآيات ١٠ إلى ١٣]]

﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها (١٠) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ (١١) إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنّارُ مَثْوىً لَهُمْ (١٢) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ (١٣)

يقول تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا﴾ يعني المشركين بالله المكذبين لرسوله ﴿فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ﴾ أي عاقبهم بتكذيبهم وكفرهم، أي ونجى المؤمنين من بين أظهرهم، ولهذا قال تعالى: ﴿وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها﴾.

ثم قال: ﴿ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ﴾ ولهذا لما قال أبو سفيان صخر بن حرب رئيس المشركين يوم أحد، حين سأل عن النبي وعن أبي بكر وعمر فلم يجب وقال: أما هؤلاء فقد هلكوا، وأجابه عمر بن الخطاب فقال: كذبت يا عدو الله بل أبقى الله تعالى لك ما يسوؤك، وإن الذين عددت لأحياء، فقال أبو سفيان يوم بيوم بدر، والحرب سجال، أما إنكم ستجدون مثلة (٣) لم آمر بها، ولم تسوؤني، ثم


(١) أخرجه البخاري في الرقاق باب ٤٨.
(٢) أخرجه ابن ماجة في الزهد باب ٨.
(٣) مثل بفلان مثلا ومثلة، بالضم: نكّل به، ومثل بالقتيل: إذا جدع أنفه أو أذنه، أو مذاكيره، أو شيئا من أطراقه.

<<  <  ج: ص:  >  >>